مقالة علمية للتدريسي ( أ.د/ سعد فتح الله العالم ) بعنوان " نظرة مستقبلية لإنتقاء الموهوبين في الرياضة " تاريخ الخبر: 12/01/2024 | المشاهدات: 113

مشاركة الخبر :

نظرة مستقبلية لإنتقاء الموهوبين في الرياضة
أ.د/ سعد فتح الله العالم
أستاذ تدريب العاب القوى – كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة – جامعة المستقبل – بابل – العراق
[email protected]
إن التقدم والتطور فى كافة المسابقات الرياضية إنما يعكس كماً هائلاً من المعارف والمعلومات العلمية التى تساهم فى إحداث هذا التطور الكبير، وإن كان الإسلوب العلمى هو المدخل الصحيح للوصول إلى التطور والتقدم الذى يتمشى ويساير التقدم العالمى فإن استخدام التكنولوجيا الحديثة هى السبيل الوحيد للتغلب على هذا القصور الشديد فى الإنجاز الرياضى فى الدول العربية.
وعملية الانتقاء في المجال الرياضى تهدف إلى اختيار أفضل العناصر بغرض الوصول إلى المستويات العالية من خلال اكتشاف الموهوبين ورعايتهم لتكوين قاعدة من أفضل الشباب وتوجيههم للتدريب في سن مبكرة مما يزيد من احتمالية النجاح الرياضي.
حيث تعتبر مشكلة الإنتقاء من أهم الموضوعات التى لاقت اهتماماً كبيراً فى السنوات الأخيرة حيث تستهدف فى المقام الأول اختيار المواهب لممارسة الرياضة ، ومن أهم العلوم الحديثة والتى اقتحمت هذا المجال مؤخراً وبدأت الدول المتقدمة تعمل بنظرياته هو علم الوراثة والجينات، حيث تعتبر دراسة الصفات الوراثية والجينات ذات أهمية كبيرة في مجال الانتقاء الرياضى وهي المسئولة عن العديد من المتغيرات في الاداء البدني والاستجابة للتدريب الرياضى .
ومما أثار اهتمام العالم فى الفترة الأخيرة هو الظهور المفاجىء للاعبين الجمايكيين فى الدورة الأوليمبية بكين (2008م) وفى مقدمتهم العداء بولت Usain Bolt الذى كان يبلغ عمره 21 سنة عندما حطم الرقم العالمى والأوليمبى مرتين في مسابقة 100 متر بزمن (9.69 ثانية) ثم (9.58 ثانية) ومسابقة 200 متر بزمن (19.19 ثانية) واصبح صاحب لقب أسرع رجل في العالم ، وفى نفس الدورة الاولمبية سيطر فيها الجمايكيين على سباقات العدو للرجال والإناث وحصدوا كل الميداليات الذهبية الستة فى سباقات (100 م ، 200 م ، 4 × 100 م تتابع) وقد أثارت هذه الانجازات تكهنات واسعة حول أساس الجامايكيين وغيرهم من السكان التى تنتمى لأصول من غرب افريقيا ، وقد تم تفسير ذلك بأن هناك جين يسمىACTN3 يرتبط بشدة مع تكوين العضلات لدى رياضى المستوى العالى، وأن هذا الجين كان أكثر شيوعاً لدى الجمايكيين من الأفراد ذات الأصول الأوروبية ، وبذلك فالجينات تلعب دور كبير فى براعة العدو لدى الجمايكيين عن الأوروبين، وعلي ذلك ظهرت أراء كثيرة حول التقنيات البيولوجية ودراسة الجينات وتأثيرها على الأداء الرياضى.
وهناك الكثير من الاهتمام في جميع أنحاء العالم حول تفوق الرياضيين فى شرق أفريقيا فى مسابقات الجرى حيث ظهرت العديد من الأراء والنظريات التي تهدف الى تفسير ذلك ، حيث أن الإستعداد الوراثي والتنشئة الاجتماعية والثقافية والتغذية السليمة هى أهم العوامل وراء نجاح هؤلاء العدائين وتميزهم بالنجاح منقطع النظير في المسافات التى تتراوح بين 800 متر الى سباق الماراثون.
وكذلك التفوق الواضح لمتسابقي العدو والجري للمتسابقين الأفارقة يرجع إلى الموهبة والاستعدادات الجينية ويلاحظ أنهم أفضل من غيرهم من متسابقي الجري أصحاب البشرة البيضاء في الأنشطة الرياضية القصيرة والسريعة المتفجرة ، كما أن المتسابقين من غرب أفريقيا أفضل في مسابقات العدو ، بينما المتسابقين من شرق أفريقيا أفضل في التحمل ، وهذه الظاهرة أثارت العديد من التساؤلات والتفسيرات حول دور الوراثة ودور البيئة في صناعة البطل.
ونجد أن الأهتمام بالنجاح في الرياضة على مستوى الرياضيين أصحاب المستوى العالى أدى إلى البحث عن أفضل المواهب ، ونظم التدريب الأكثر فاعلية ، ودعم تحسين البنية التحتية ، وهذا لن يأتى إلا من خلال الأبحاث العلمية.
وعلى الرغم من ذلك فإن عملية الإنتقاء فى الدول العربية مازالت تعتمد على مجموعة من الإختبارات البدنية والجسمية وبعض الاختبارات الفسيولوجية، وهذا بلاشك غير كاف ولا يؤكد أن الناشىء لديه الإستعداد الوراثى الكافى لممارسة النشاط الرياضى للوصول إلى المستوى العالى، حيث نجد أن العناصر البدنية والقدرات الكامنة لاتظهر كلها مرة واحدة بل تظهر على مراحل مختلفة من عمر الناشىء.
ولذلك يجب تظافر كافة الجهود في الدول العربية وتسخير نتائج الأبحاث العلمية وتطبيق المشروعات البحثية التي تهتم بعملية انتقاء الموهوبين على الأساس البدنى والوراثى والبيئى للوصول إلى أفضل الخامات التي تمثل المجتمع العربى مستقبلا في البطولات الرياضية العالمية ووضع المنظومة الرياضية العربية على الخريطة الرياضية العالمية.