تُعد تربية الطيور الداجنة أحد الأعمدة الأساسية للأمن الغذائي العالمي، إذ توفر مصدرًا رئيسيًا للبروتين الحيواني. ومع ذلك، فإن هذا القطاع يواجه تحديات متزايدة تتعلق بانتشار الأمراض، وهدر الموارد، وارتفاع تكاليف الإنتاج. في هذا السياق، يبرز الذكاء الاصطناعي (AI) كتقنية ثورية قادرة على إحداث تحوّل نوعي في أنظمة إنتاج الدواجن، من خلال تحسين عمليات المراقبة والإدارة، وترشيد استخدام الموارد، وتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية.
يتماشى هذا التحول مع الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والمتمثل في "القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة"، وذلك عبر توظيف تقنيات متقدمة لزيادة إنتاج الغذاء بشكل أكثر كفاءة وعدالة.
1. إدارة متكاملة لمزارع الدواجن باستخدام الذكاء الاصطناعي
المراقبة الصحية: تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على تقنيات الرؤية الحاسوبية لتحليل الصور والفيديوهات المسجلة داخل الحظائر، ما يُمكنها من اكتشاف السلوكيات غير الطبيعية، والتنبؤ بالأمراض في مراحلها المبكرة من خلال تحليل أنماط الحركة والأصوات.
إدارة التغذية: تُستخدم الخوارزميات الذكية لتحديد المتطلبات التغذوية الدقيقة للطيور في مراحل النمو المختلفة، مما يُسهم في تقليل الفاقد من الأعلاف وتحقيق معدلات تحويل غذائي محسّنة.
التحكم البيئي الذكي: تُمكّن الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي من الضبط التلقائي لدرجة الحرارة والرطوبة وجودة الهواء، بما يضمن بيئة نمو مثالية ويحد من الإجهاد الحراري والمرض.
2. رفع كفاءة الإنتاج وتحسين الأداء الحيوي
تحليل البيانات الحيّة: من خلال التكامل مع أجهزة الاستشعار، يتيح الذكاء الاصطناعي تحليلًا آنيًا ودقيقًا لظروف التربية، ما يُمكّن من التنبؤ بالأداء المستقبلي للطيور واتخاذ قرارات مبنية على البيانات.
إدارة المخزون والتفريخ: تُمكّن تقنيات الذكاء الاصطناعي من تحسين معدلات الفقس، وضمان جودة الأفراخ، وتقليل الفاقد عبر تحليل بيانات البيض والظروف البيئية أثناء التفريخ.
3. تعزيز الرفاه الحيواني وخفض الاعتماد على المضادات الحيوية
يُسهم الذكاء الاصطناعي في مراقبة الرفاه الحيواني من خلال تقييم السلوك الجماعي والفردي، وتحديد مظاهر الإجهاد أو الاضطراب.
يُتيح الكشف المبكر عن الأمراض تقليل الحاجة لاستخدام المضادات الحيوية كوسيلة وقائية، مما يُعزز سلامة المنتج الحيواني ويحمي الصحة العامة.
4. تقليل التكاليف التشغيلية وزيادة العائدات
من خلال تحسين كفاءة استخدام الأعلاف والمياه والطاقة، تُسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في خفض تكاليف التشغيل.
كما توفر هذه الأنظمة أدوات لتحليل السوق والتنبؤ بتقلبات الطلب والأسعار، مما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات إنتاج وتسويق أكثر فاعلية.
5. دعم الاستدامة البيئية
إدارة المخلفات: تُستخدم خوارزميات متقدمة لإعادة تدوير المخلفات الحيوانية وتحويلها إلى طاقة أو سماد عضوي.
خفض الانبعاثات الكربونية: من خلال تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وتقليل الهدر، تُسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقليل البصمة البيئية للقطاع.
6. تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الدواجن
التعلم الآلي (Machine Learning): يُستخدم لتحليل البيانات الضخمة واكتشاف الأنماط الخفية المرتبطة بالأمراض أو انخفاض الأداء.
الروبوتات الذكية: تُستخدم لأداء مهام متكررة مثل تنظيف الحظائر وتوزيع الأعلاف بدقة.
إنترنت الأشياء (IoT): يُربط بين أجهزة الاستشعار والأنظمة الذكية لرصد وتحليل الظروف البيئية وإدارتها تلقائيًا.
الرؤية الحاسوبية: تُستخدم لتحليل صور الطيور ومراقبة سلوكها وتقييم حالتها الصحية.
7. التحديات المرتبطة بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي
ارتفاع التكاليف الأولية: يُشكل الاستثمار في هذه التقنيات تحديًا للمزارع الصغيرة والمتوسطة.
الحاجة إلى تدريب تقني متخصص: يتطلب تشغيل وصيانة الأنظمة الذكية كوادر مؤهلة تقنيًا.
جودة وتكامل البيانات: يعتمد نجاح هذه الأنظمة بشكل كبير على توافر بيانات دقيقة وموثوقة.
8. تجارب رائدة في هذا المجال
شركة Agriteck: طورت نظامًا ذكيًا لمراقبة الحالة الصحية للطيور والتنبؤ المبكر بالأمراض.
مشروع Smart Poultry Farming: يستخدم منظومة من أجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء لتحسين إدارة المزرعة وزيادة الإنتاجية.
9. آفاق مستقبلية
من المتوقع أن يشهد قطاع تربية الدواجن اعتمادًا متزايدًا على الأتمتة والذكاء الاصطناعي في إدارة العمليات اليومية.
سيساهم هذا التقدم في إنتاج لحوم وبيض ذات جودة أعلى، مع تقليل الأثر البيئي وتحقيق معدلات إنتاج أكثر استدامة وربحية.
يمثل الذكاء الاصطناعي أداة مركزية لتحفيز الابتكار في تربية الطيور الداجنة، من خلال تحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز الرفاه الحيواني، وخفض التكاليف، وتحقيق الاستدامة البيئية. وفي ظل التقدم التقني المتسارع، يُتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي مكونًا رئيسيًا في بنية المزارع الذكية، خاصة في الدول التي تسعى إلى تحديث قطاعها الزراعي، كما هو الحال في جامعة المستقبل – الجامعة الأولى في العراق، التي تتبنى نهجًا استراتيجيًا في دعم الابتكار وتطوير البحث العلمي.
جامعة المستقبل الجامعة الأولى في العراق