انت الان في قسم المحاسبة

إمكانية إيجاد عملة عالمية موحدة تاريخ الخبر: 12/03/2023 | المشاهدات: 1217

مشاركة الخبر :

إمكانية إيجاد عملة عالمية موحدة
في واقع الحال أن فكرة العملة العالمية الموحدة ليست جديدة ولم تكن وليدة المناقشات التي أثيرت عام 2009 بقيادة الصين وروسيا ، ولا في تسعينيات القرن الماضي قبل تدشين اليورو ، فأحد أبرز الداعمين لها كان الاقتصادي الشهير "جون ماينارد كينز"، فالعملة العالمية كما يعبّر عنها اسمها، هي عملة نقدية مقبولة ومستخدمة في كلّ مكان. والتي يجب أن تأتي نتيجة اتفاقيات تُعقد بين مختلف الحكومات في العالم لاستخدام نظام مالي موحّد.
أن وجود مثل هذه العملة العالمية الموحدة سيصاحبه قدر هائل من اليقين والاستقرار الدوليين ، وهو ما يعود بالنفع الكبير على جميع اللاعبين ، وخصوصًا الاقتصادات الأصغر والأضعف التي يسعى المجتمع الدولي جاهدًا لمساعدتها ، وفي المقابل ، يرى البعض أن العملات الإقليمية مثل اليورو (المثال الواقعي الأكثر تعبيرًا عن فكرة العملة العالمية) تنطوي عليها أخطار ، مثل اضطرار الدول الأعضاء إلى محاولة إخفاء وكبح الحركات الدورية لمؤشرات الاقتصاد الكلي ، التي قد تشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي
فإذا كنت شاهدت سلسلة أفلام حرب النجوم ، ستلاحظ وجود عملة موحدة يتعاملون بها في جميع أرجاء المجرة ، لكن هل يمكننا تطبيق هذه الفكرة على كوكبنا ؟ يوجد اليوم 162 عملة متداولة حول العالم وفقًا للمنظمة الدولية لتوحيد المقاييس ، والسؤال هو : أليس من الأبسط وجود عملة عالمية واحدة فقط؟ قد تبدو الفكرة غريبة وخيالية ، ومع ذلك طرحها في القرنين السابق والحالي العديد من العلماء البارزين.
ففي سنة 1961، طرح العالم الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد روبرت ماندل نظرية «المناطق المثالية للعملة»، التي تتضمن مناطق تتصف بارتباط العملات المحلية ارتباطًا وثيقًا، وفي سنة 1948، طرح ريتشارد كوبر، بروفيسور الاقتصاد الدولي في جامعة هارفرد، فكرة ((إصدار عملة مشتركة لجميع الدول الصناعية الديمقراطية، إضافةً إلى سياسة نقدية مشتركة وبنك مشترك لإصدار هذه العملة وتحديد السياسة النقدية))، كما توقع كوبر وجود عملة عالمية بحلول عام 2010. وتوقعت مجلة the economist وجود عملة عالمية بحلول عام 2018، وأن يكون اسم هذه العملة فينيكس. لكن ها قد مرت الأعوام 2010 و 2018 دون أن نقترب من تطبيق فكرة العملة العالمية الواحدة.
مزايا توحيد العملة
أدى التطور السريع في تكنولوجيا الاتصالات والتحسينات التي طرأت على وسائل النقل إلى خلق اقتصاد عالمي نجد فيه الكثير من التعاملات الدولية بعدة عملات، زاد تعدد العملات من تعقيد عملية تبادل السلع والخدمات وخطوات إتمام هذه التعاملات وتكاليفها.
لو كانت العملة موحدة عالميًّا، لادّخر العالم نحو 800 مليار دولار سنويًّا فقط من تكاليف التعاملات. عندما تتعامل الشركات بعدة عملات، عليها الحد من الأخطار المتعلقة بتقلبات أسعار صرف العملات. قدرت شركة إيرباص انخفاض أرباحها بقيمة 100 مليون دولار مقابل كل سنت يرتفع به اليورو مقابل الدولار. تلجأ الشركات إلى «التحوّط» بهدف تخفيف أخطار تقلبات أسعار صرف العملات، وهي سياسة مالية معقدة تتبعها الشركات عبر مؤسسات مالية متشابكة، ولا شك أنها تتطلب جهدًا وتكاليف كبيرة، وتكمن المشكلة في أننا خلقنا صيغة أخرى لنظام المقايضة أدى إلى بروز عدة عملات عالمية تُستخدم لإجراء التعاملات، وزيادة في التكاليف التي تطلبها الأعمال بسبب الحاجة إلى الوسطاء، قد يلغي وجود عملة واحدة عالمية ينظمها اتحاد نقدي عالمي معظم تكاليف التعاملات وجميع أخطار تغير أسعار الصرف.
عيوب توحيد العملة
سيحكم بنك مركزي عالمي العملة العالمية الموحدة إن وجدت، وسيكون هذا البنك مسؤولًا عن السياسة النقدية للعالم أجمع، لكن في كل دولة مزيجًا خاصًا بها من المشكلات الاقتصادية، والسياسة النقدية أداةً قوية لمواجهة مشكلات مثل التضخم أو الركود، لذا كان يجب على بنك مركزي عالمي رسم سياسة نقدية عالمية مثالية، وعليه أن يوازن بين احتياجات وأولويات جميع الدول المختلفة والمتضاربة.
ويتطلّب إنشاء عملة عالمية موحّدة، تأسيس اتحاد نقدي عالمي بمقدوره حلّ الأزمات المرتبطة بالعملات وتجنّب المخاطر الاقتصادية. ليس هذا وحسب، إذ ستقع على عاتق هذه المنظّمة الدولية مسؤولية ضمان الالتزام بالقواعد، ومعالجة أيّ مشاكل قائمة أو ناشئة فيما يتعلّق بطريقة التعامل مع العملات وذلك بهدف تمكين التجارة العالمية وتقييم النظام الضريبي في الدول المختلفة.
يمكن تلخيص ايجابيات استخدام عملة عالمية موحّدة حول العالم فيما يلي:
1- تسهيل التداول وتبسيطه في حال تمّ استخدام عملة عالمية، لن يكون هناك حاجة لتحويل العملات الأجنبية، الأمر الذي سيجعل من التداول عملية سهلة وقليلة التكلفة أيضًا. إذ سيتم التخلص من تكاليف تداول العملات الأجنبية وكذلك من مخاطر تغيّر سير العملات المختلفة.
2- القضاء على التلاعب بالأسعار ممّا لا شكّ فيه أنّ استخدام عملة عالمية سيقضي على التلاعب بالأسعار. حيث يقصد بذلك أن تقوم بعض الدول بخفض قيمة عملاتها عن قصد، لجعل أسعار سلعها تبدو أقلّ مقارنة بأسعار المصدّرين الآخرين ممّا يجعلها أكثر جاذبية للأسواق الأجنبية.
3- التخلّص من مشكلة التضخم الجامح أو المفرط "Hyperinflation" بأنّه أحد أنواع التضخم الذي يحدث نتيجة زيادة عرض النقد في السوق مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها الشرائية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة في الأسعار بمعدّل قد يصل إلى 50% شهريًا أو أكثر، لذا فإنه في حال تمّ استخدام عملة عالمية، ستُحدَّد في هذه الحالة قيمة العملة لجميع الدول، وبالتالي فلن تؤثر عليها الظروف المحلية أيًّا كانت.
ما هي عيوب استخدام العملة العالمية؟:
1- الحدّ من حرية السياسة المالية كون ستتأثر السياسات المالية المحلية بشكل كبير مع ظهور عملة عالمية. فبعض هذه الدول غنية، والبعض الآخر فقيرة. بعضها لديه حكومات ديمقراطية، والبعض الآخر واقع تحت سيطرة أنظمة ديكتاتورية، لكن في ظلّ استخدام عملة عالمية، سيتمّ الحدّ من حريّة السياسة المالية.
2- بنك مركزي واحد وسياسة واحدة سيتكفّل بصياغة السياسة المالية التي ستكون واحدة تنطبق على جميع الدول بغضّ النظر عن ظروفها، الأمر الذي سيحول دون معالجة بعض المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها دول محدّدة دون غيرها.
3- امتداد المشاكل الاقتصادية في بلد واحد إلى جميع أنحاء العالم عند استخدام عملة عالمية، سيصبح من السهل أن تؤثر مشكلة اقتصادية في بلد معيّن على كلّ دول العالم.
4- سيخدم نظام العملة العالمية مصالح الدول القوية اقتصاديًا فقط على حساب الدول الأصغر. حيث سيكون لها على الأرجح تمثيل أفضل في البنك المركزي العالمي، واليد العليا في صنع السياسة المالية.
تلخيص الأسباب التي تدفع هذه الدول للعزوف عن استخدام العملة الموحدة :
1- الحفاظ على استقلال السياسة النقدية والقدرة على السيطرة على التضخم وخفض قيمة العملة.
2- حريَة اتخاذ القرارات بشأن سياسات مواجهة التحديات الخاصة بكل بلد.
3- وجود مقرض مستقل كملاذ أخير وهو البنك المركزي المستقل للبلد الذي لديه عملته الخاصة.
إيجابيات وسلبيات التجربة الأوربية مع عملتها الموحدة اليورو:
أولاً- الإيجابية:
1- القضاء على تقلبات أسعار الصرف وتكاليف التحوط وبالتالي يتم تحفيز التجارة والاستثمار بين الدول.
2- تخفيض تكاليف المعاملات وتشجع السياحة فلن يضطر السائح إلي القلق بشأن تبادل العملات المختلفة.
3- شفافية الأسعار وعرض جميع الأسعار بالعملة نفسها ، مما يسهل مقارنة الأسعار بسهولة.
4- تسهيل توسع السوق وسوف تعطي شفافية الأسعار حافزًا للشركات لتوسيع أسواقها.
5- عملة أكثر استقراراً من خلال السياسة النقدية الواضحة الموجهة نحو الاستقرار للنظام النقدي.
ثانياً- السلبية:
1- فقدان السياسة النقدية المستقلة بتحكم البنك المركزي الأوروبي في المعروض النقدي.
2- خطر التطور غير المتكافئ داخل منطقة العملة الموحدة وفقدان فرص العمل والنمو وزيادة تكاليف الانكماش في هذه المناطق وفقدان المهارات وفقدان الإمكانات الاقتصادية التي لا يمكن إصلاحها.
3- لا يمكن للسياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي تلبية الحاجة الاقتصادية لفرادى الدول الأعضاء.
ختاماً في ظل احتدام الجدل بين مؤيدي فكرة العملة العالمية الواحدة ومعارضيها، توجد إمكانية لحلول وسطى، قد تكون فكرة روبرت ماندل حول وجود «مناطق مثالية للعملة» قابلة للتطبيق، إذ قد توجد مجموعات من الدول تتصف بمستويات تطور متماثلة وحدود جغرافية متجاورة وأهداف مشتركة للعملة، مثل الاتحاد الأوروبي. وقد يكون لدينا عدة عملات عالمية لا عملة واحدة.
إن حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي هي مثال واقعي دقيق عن هذه الفكرة، وهي الممتلكات الاحتياطية العالمية، وتتضمن حاليًّا الدولار الأمريكي واليورو والرينمينبي الصيني والين الياباني والجنيه الإسترليني. والمفترض أن هذه العملات تدعمها أكثر الاقتصادات حزمًا في العالم. قد تُستخدم حقوق السحب الخاصة أو ما يشبهها مخزنًا للقيمة في التعاملات الدولية لتجنب الكثير من تكاليف الصرف.
وعلينا ألا ننسى احتمالية اعتماد الدولار أو اليورو عالميًا، وهكذا تتحول عملة موجودة سابقًا إلى عملة عالمية، وربما لم يخطر أفضل نظام عملات في الاقتصاد العالمي في ذهن أحد بعد، وعلينا انتظار العبقري المبدع الذي سيقدم لنا أفكاره في هذا المجال.

م. د. عبد الكريم محمد سلمان
قسم المحاسبة
17/4/2023