انت الان في قسم تقنيات المختبرات الطبية

مقالة علمية للمدرس المساعد حسام عادل محمد وبعنوان الكيمياء الخضراء تاريخ الخبر: 18/11/2023 | المشاهدات: 117

مشاركة الخبر :

الكيمياء الخضراء

بدأت علاقة الإنسان بالبيئة منذ نشأته على الأرض بالخوف من أخطارها وقسوتها وجهلة بالتعامل مع أسرارها . فأخذ يعمل ويناضل ويكافح من أجل تطويعها لمتطلباته وتأمين حياته ليحمى نفسه من أخطارها .
ومع تطور حياته بدأ يتعمق فى أسرار الكون ومظاهر البيئة فقامت بينهما علاقة من التناغم والتوافق المتبادل يستثمر البيئة فتعطه مصادر الحياة بقدر ما يبذل فيها من جهد. ووصل الإنسان إلى عصر العلم والتقنية واهتدى إلى الكثير من أسرار الطبيعة وإلى ما فى البيئة من تفاعلات بين المادة والطاقة وصارت مهمة علمه أن يوظف البيئة فى خدمته ليحقق لنفسه المستوى الأفضل.
وقد أسهمت الكيمياء بالدور الأعظم فى هذه النهضة الحضارية التى شملت شتى مجالات الحياة ثم تحول هذا التناغم بين الإنسان والبيئة إلى عداء مرة أخرى . فقد أسرف الإنسان إسرافا شديداً فى استغلال أشياء كثيرة أخلت بهذا التناغم .
فقد أسرف فى استغلال الثروات الطبيعية من مصادر الوقود ومن خامات معدنية وغيرها . حتى بدأت مصادرها تشح بن يديه . كما أسرف فى النشاط الصناعى فلوث الأنهار والبحار والهواء. وأفسد الأرض الزراعية بإسرافه فى استخدام المخصبات والمبيدات .
وتباينت الآراء حول من كانت الكيمياء صناعتهم – فرأى بعض الناس أن الكيميائيين هم ملائكة الرحمة الذين قدموا للبشرية بضاعتهم التى وفرت للشعوب سبل الرفاهية التى تأسست عليها حضارتهم فى مختلف مناحى حياتهم. حيث يرى البعض أن للكيمياء الفضل الأعظم فى الثورة الطبية التى قدمت لهم العقاقير التى قضت على كثير من الأمراض التى دمرت البشرية لآلاف السنين فامتدت أعمارهم إلى معدلات لم تعرفها البشرية من قبل فقد ارتفع متوسط عمر الفرد من 47 عاما فى سنة 1900 إلى 75 عاما فى التسعينات .
كما أنتجت الكيمياء المخصبات الزراعية ومحفزات النمو والمبيدات الحشرية فزادت المحاصيل وتنوعت أصنافها لتوفر الغذاء لهذه الزيادة المتسارعة فى عدد السكان . كما واكب التطور الكبير فى علم الكيمياء تطوير وازدهار الحياة المادية لبلايين الأفراد من الملبس والمسكن وغيرهما.
وفى الجانب الآخر رأى بعض الناس أن الكيميائيين هم شياطين الجن الذين دأبوا على تدمير الإنسان والبيئة. فتفاعلاتهم النووية أبادت ملايين البشر ومتفجراتهم ( والتى منحوا عليها جائزة نوبل للسلام ) وأسلحة الدمار الشامل من أسلحة كيميائية وبيولوجية وغيرها . بجانب مخلفات صناعاتهم الكيميائية التى تقضى على الزرع والضرع والتى لوثت الماء والهواء والتربة وتسببت فى أمراض جديدة لم تعرفها البشرية من قبل هذا إلى جانب الكوارث البيئية العديدة من تغير فى المناخ والاحتباس الحرارى وتدمير طبقة الأوزون .
تطور الحركة البيئية وظهور الوعى البيئى :
حتى عهد قريب لم يكن العالم مهتما بتأثير المواد الكيميائية على صحة الإنسان وسلامة البيئة. وفى عام 1962 ظهر كتاب الربيع الصامت (Silent spring) للكاتبة راشيل كارسون Rachael Carson) (والذى تحدثت فيه بإسهاب عن أثر بعض المبيدات الحشرية على بيض طيور متعددة وكيف تسببت مبيدات الـ (DDT) ومبيدات حشرية أخرى من تأثيرات قاتلة من خلال تسللها إلى السلسلة الغذائية وكيف أن هذه المبيدات ثابتة كيميائياً ويتطلب تحللها سنوات عديدة .
وهنا دق ناقوس الخطر فهبت المجتمعات وطالبت بوضع القواعد المنظمة لتصنيع واستخدام هذه المبيدات والحد من استخدامها أو إيجاد البدائل الأخرى الأقل خطورة على صحة الإنسان وسلامة البيئة وفى عام 1986 سجلت الولايات المتحدة قائمة بعدد كبير من الكيماويات السامة التى تطلقها القطاعات الصناعية المختلفة. إلا أن هذا العدد هو جزء صغير من بقية الـ 75000 نوع من الكيمياويات المستخدمة حاليا فى الصناعة والتى يتزايد عددها يوما بعد يوم ومن المؤكد أن جزءاً كبيرا منها يحمل سمية معينة .
وقد سجل عام 1994 فى الولايات المتحدة وحدها انطلاق أكثر من 2.26 بليون رطل لاكثر من 300 مادة خطره إلى البيئة . ولكى نستوعب مقدار هذه الكمية نذكر أنه عند قراءة صفحة من هذا الكتاب ينطلق طن كامل من المواد الخطرة إلى البيئة . وتعتبر الصناعات الكيميائية هى الأكثر إطلاقا للمواد الكيميائية الخطرة عن بقية القطاعات الصناعية الأخرى. حيث يخرج من الصناعات الكيميائية أكثر من أربعة مرات من المخلفات من مثل التى تطلقها الصناعة التى تليها وهى صناعة الفلزات .
ويوضح شكل (1) كم المخلفات الناتجة عن الصناعات العشر الكبرى عام 1992 فى الولايات المتحدة .














كما يوضح شكل (2) النسبة المئوية للمخلفات الكيميائية التى خرجت إلى الأوساط البيئية المختلفة فى الولايات المتحدة فى عام 1992 وهناك العديد من الأمثلة للمخاطر بل والكوارث التى احدثها سواء استخدام بعض المواد الكيميائية والمخلفات الصناعية التى أثرت على صحة الإنسان وسلامة البيئة .



















ولقد أدت هذه الأضرار إلى عقد العديد من المؤتمرات وكذلك إلى سن العديد من التشريعات والقوانين البيئية للسيطرة على الصناعات الكيميائية بدءاً من اختيار الخامات الأولية وطريقة تداولها إلى طرق التصنيع وكذلك المنتجات النهائية والثانوية بجانب معالجة النفايات أو التخلص منها .