انت الان في قسم تقنيات المختبرات الطبية

مقالــــة علميــــة للاستــــاذ المســــاعد الدكتور صادق جعفر باقر بعنـــوان :-اخطار التعرض للمواد الكيميائية الضارة على صحة الأجيال تاريخ الخبر: 20/10/2019 | المشاهدات: 1414

مشاركة الخبر :

اخطار التعرض للمواد الكيميائية الضارة على صحة الأجيال
اشارت الدراسات في مجال حماية البيئة والصحة الى أن التعرض المبكر لبعض المواد الكيميائية السامة يؤدي لظهور المرض اوالخلل الوظيفي لدى الأطفال والبالغين، ومن أبرز الأمثلة على هذه المواد الزئبق و المبيدات الحشرية و بعض موانع الاحتراق و بعض المواد المُستخدمة في صناعة الإلكترونيات، والرصاص والأبخرة الناتجة من عوادم السيارات. ولقد بينت الدراسات امكانية الوقاية من الأمراض الناجمة عن هذا التعرض وبالتالي تجنب المرض و تعزيز الرفاهيه في الحياة و إنقاذ الأرواح و تخفيض تكاليف الرعاية الصحية وزيادة الإنتاجية الوطنية ومعدلات الاعمار للسكان .اكتشف الباحثون أن الأطفال معرضون أكثر لضرر التسمم بالمواد الكيميائية في البيئة مقارنةً بالبالغين، وأدى هذا الاكتشاف إلى اعتبار التعرض للمواد الكيميائية في وقت مبكرٍ من الحياة كاحد اهم اسبابٍ الامراض في سنٍين لاحقهلذلك تم التطرق الى إمكانية وقاية السكان من تلك الأمراض بحمايتهم من المواد السامة، ما دفع صناع القرار والجهات التنظيمية في الدول المتقدمه لمراجعة القوانين المعمول بها، ووضع سياساتٍ جديدةٍ تنظم إنتاج المواد الكيميائية الصناعية وتداولها واستهلاكها.ولكون الرصاص هو احد ابرز الأمثلة على المواد الكيميائية الضارة المعروفة فقد تم التركيز عليه عالميا والعمل على ازالته من وقود السيارات حيث أدى هذا الإجراء لوحده إلى خفض التسمم بالرصاص الى أكثر من 90% وأنتج فوائد اقتصاديةً سنويةً كبيره جدا. ولتبيان حجم المشكلة مثلاً، كان متوسط مستوى الرصاص في الدم في الولايات المتحدة الأمريكية ذروته في منتصف السبعينات عند 1.7جزء بالمليون، وهو مستوى أعلى بكثير من المستوى المقبول الذي حددته إدارة “مراكز التحكم بالأمراض واتقائها” عند 1.0جزء بالمليون فقط.قبل أن يتم القرار بايقاف استخدام الرصاص في الوقود.إن هذه المستويات المرتفعة من الرصاص في الدم يمكن ان تكون مرتبطةٌ بانخفاض الذكاء والسلوكيات العنيفة والتخريبية لدى الأطفال كما أثبتت الدراسات الوبائية، ولقد تبين أن كل زيادةٍ بمقدار 0.3جزء بالمليون في مستوى رصاص الدم يترافق معه انخفاضٍ بمقدار 0.5-1.0 نقطةٍ في مستوى الذكاء، والمخيف هو أن هذه التأثيرات ظهرت في غيابٍ لأي أعراضٍ سريريةٍ أو مرضٍ واضحٍ، ما دفع العلماء لتسميتها بالتسمم الصامت بالرصاص. ولقد وجدت الدراسات أربعة عوامل في الأطفال بالخصوص تساهم في زيادة تضررهم البدني والعقلي عند تعرضهم للمواد الكيميائية في البيئة منها.
1. ارتفاع معدل تعرض الأطفال للمواد الكيميائية السامة بالنسبة لوزن الجسم مقارنةً بالبالغين، حيث يتناول الأطفال حوالي ثلاثة أضعاف السعرات الحرارية لكل كيلوجرامٍ من التي يتناولها البالغون، كما أن نسبة الهواء التي يستنشقها الرضيع لكل كيلوجرامٍ هي ضعف نسبة الشخص البالغ، ما يؤدي إلى تعرض الأطفال للمواد السامة في الهواء و الغذاء والماء بصورةٍ اكبروغير متناسبةٍ، ولا ننسى سلوك الأطفال الذي يدفعهم لتناول أي غرضٍ أمامهم، ما يجعلهم عرضةً للملوثات الكيميائية على التربة والأرض لسهولة الوصول إليها.
2. عدم نضوج مسارات العمليات الاستقلابية لدى الاطفال، حيث ستحاول أجهزة الجسم المختلفة التخلص من المواد الضارة بعد دخولها، ولكنها تفتقر إلى الإنزيمات اللازمة لتكسير وإزالة المواد الكيميائية السامة في تلك السن المبكرة، ما يعني أن قدرة الطفل على استقلاب المواد الكيميائية السامة وتحويلها إلى موادٍ غير ضاره أقل من البالغين. وسيؤدي الى دخولالمادة السامة لجسم الطفل ووقوف أجهزته عاجزةً أمامها.
3. سهولة تعطل عمليات النمو المبكرة في الأطفال، حيث تمتاز الفترة الزمنية للحمل والسنوات الأولى بعد الولادة بالنمو السريع والمعقد التصميم، وتستمر بوتيرةٍ أبطأ قليلاً خلال مرحلة الطفولة حتى سن البلوغ، حيث تتشكل مليارات الخلايا في الدماغ على سبيل المثال، وتتباين هذه الخلايا في الوظيفة وتترابط ببعضها عبر تريليونات المشابك العصبية الدقيقة في هذه المرحلة المبكرة، وبالمثل يتطور الجهاز التناسلي بتسلسلٍ زمنيٍ تحدده الرسائل الكيميائية والهرمونية. وتُسمى هذه المرحلة العمرية الحاسمة في النمو المبكر بـ”نوافذ الضعف”، وهي الفترة التي يكون فيها التعرض للمواد الكيميائية السامة خطراً ولو كان بمستوياتٍ منخفضة جداً، ويمكن أن يتسبب في عيوبٍ وظيفيةٍ وخلقيةٍ تدوم مدى الحياة وإن لم يكن لهذه المستويات أي أثرٍ سلبيٍ على البالغين. فعلى سبيل المثال، إذا تعرضت خلايا دماغ الرضع للمبيدات حشرية، ستشمل العواقب التخلف العقلي وزيادة خطر حدوث أمراض الاضمحلال العصبي كمرض باركنسون عند التقدم في السن.
4.أن التعرض المبكر للاطفال للمواد السامة يمهلهم الكثير من الوقت لتطوير الأمراض المزمنة، فمن المعروف أن بعض الأمراض الناجمة عن التعرض للسموم كالسرطان والأمراض العصبية تتطور عبر عملياتٍ طويلةٍ، والتي تبدأ عند التعرض في مرحلة الطفولة الأولى، ولقد حفزت هذه المعلومات أبحاثاً جديدةً تنظر في تأثير العوامل البيئية والكيميائية على الصحة، وتشمل البحوث البارزة دراساتٍ بيئيةٍ في اكثر دول العالم. ويجدر بالذكر أن البيئة التي يعيش فيها الأطفال تغيرت كثيراً في العقود القريبه الماضية، ولا سيما كمية المواد الكيميائية التي يتعرضون لها بصورةٍ روتينيةٍ، إذ اخترعت مواد كيميائيةٍ اصطناعيةٍ جديدةٍ استخدمت في ملايين المنتجات الاستهلاكية حاليا، مثل ألعاب الأطفالوالمواد الحافظهللأطعمة ومواد تغليف الاغذية و حياكة و صباغةالأقمشة والملابس و مواد البناء الحديثه والاصباغ و منتجات التنظيف و مستحضرات التجميل والعطور.
لقد كشفت الدراسات الاستقصائية الوطنية التي أجرتها مراكز مكافحة الأمراض والوقايه منها عن حقيقةٍ مخيفةٍ، إذ عُثر على وجود200 مادةٍ كيميائيةٍ مختلفةٍ في دم وادرارالعديد من الأمريكيين الذين اخضعوا للدراسه تقريباً وبما فيهم النساء الحوامل، ولا يعلم تماماً تأثير هذه النتيجة على صحة الإنسان حتى الآن ولكنها مقلقةٌ بالتأكيد، فمعظم هذه المواد الكيميائية لم تخضع حتى للتحقق الأدنى من السمية المحتملة، ولم يتم فحص سوى حوالي 20% منها فقط لمعرفة قدرتها على تعطيل النمو البشري المبكر والضرر المحتمل على الرضع والأطفال. وعلى الكفة الأخرى، ما زالت المواد الكيميائية الضارة والمعروفة بسميتها منتشرةً بالفعل، إذ وجدت الدراسات رابطاً بين سرطان الدم الحاد في الطفولة والتعرض لمبيدات الحشرات، كما قام فريقٌ بحثيٌ بمقارنة النمو الإدراكي لمجموعتين متقاربتين من الأطفال في المكسيك، إحداهما تعرضت للمبيدات الحشرية والأخرى كانت في منأىً عنه، فوجد الباحثون أن الأطفال الذين تعرضوا للمبيدات الحشرية كانوا يعانون من انخفاضٍ في قدرة التحمل و خللاً في التنسيق الإجمالي واضح بالنسبة للبلاد التي يكثر فيها التلوث الجوي ويؤدي انتشار أبخرة المواد الكيميائية الصناعية في البيئة إلى زيادة الأمراض التنفسية كالربو وهو أحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعاً في الأطفال عالمياً ولقد زاد معدل انتشاره بين الأطفال الأمريكيين أكثر من الضعف خلال السنوات العشرين الماضية. ولا بد ان نشير الى أحد أشد المواد الكيميائية خطورةً وأسوئها سمعةً وهو ثنائي الفينيل متعدد الكلور، حيث كان يُستخدم في الكثير من الصناعات الإلكترونية والميكانيكية حتى عام 1983 ولكن الجهود الدولية أوقفت تصنيعه واستخدامه عالمياً بعدما وجدت الأبحاث أن التعرض له في مرحلة ما قبل الولادة مُرتبطٌ بانخفاض الذكاء وضعف المناعة والاضطرابات الهرمونية وانخفاض وزن الولادة وسرطان الجلد والكبد ولكنه ما يزال متواجداً في الكثير من البيئات حول العالم في التربة والسلسله الغذائية.مما تقدم يتضح خطورة بعض الكيماويات الحديثة، والهدف هو تنبيه الآباء والمربين إلى خطرها خاصةً مع انتشار المصانع و المنتجات المنزليةومنتجات العناية الشخصية والتجميلية وألعاب الأطفال التي يسهل الوصول إليها والتي قد تحوي خليطاً ضاراً من المواد الكيميائية والمعادن التي تمتصها أجسامنا ويعيش في ظل خطرها أطفالنا. وإن هذه المواد الكيميائية المنتشرة في الهواء والتربة والغذاء تتزايد باستمرار، ما يستوجب أن يكون هناك توجهٌ جدي لفحص ومتابعة جميع هذه المركبات الكيميائية قبل وأثناء تصنيعها وإنتاجها للسوق، والتذكر دائماً بأن أصغر جرعةٍ من المبيدات الحشرية أو من هذه المركبات الكيميائية يُمكن أن تؤثر على صحة الأطفال ونموهم لبقية حياتهم.