انت الان في قسم ادارة الأعمال

مقال علمي تحت عنوان (معيار تجريم الاعتداء على العقيدة والشعور الديني) تاريخ الخبر: 11/05/2022 | المشاهدات: 663

مشاركة الخبر :

(معيار تجريم الاعتداء على العقيدة والشعور الديني)
م.د : نورس أحمد الموسوي/ قسم إدارة الأعمال – كلية المستقبل الجامعة
إنّ الإنسان غالبًا ما يكون سلوكه الخارجي وفقًا لما يشعر به على الرغم من أنّ شعوره كامن في النفس، وهذا كفيل بأنّ يُعّظم من شأن الشعور الإنساني من قبل المشرع ويتولد لديه الإحساس بالتقيُد بمراعاتهِ، وهو ما يبدو جليًا في غالبية النصوص القانونية. ونظرًا للخطورة التي ينطوي عليها التجريم كونه يمس حرية الإنسان في مباشرة أنواع معينة من السلوك، ويخضع لضوابط إجتماعية معينة، الأمر الذي يبرر البحث عن معياره ومحاولة التعرف على المصلحة المحمية في تجريم الإعتداء على العقيدة والشعور الديني. ولا شكّ أنّ سياسة التجريم والعقاب ما هي إلاّ إنعكاس لحاجات المجتمع المختلفة، وتدخل المشرع بالتجريم إنما يهدف إلى حماية المصالح الجوهرية منها، والتي على هديها تتحدّد العلة التشريعية من القواعد الجنائية التجريمية. وتباشر الدولة أنشطتها المختلفة ومنها النشاط الجنائي؛ لتقوم من خلاله بحماية المصالح والقيم السائدة، فالقيم والمصالح الإجتماعية لها أهمية وتأثير في السياسة الجنائية من ناحية التجريم والعقاب.
فالحماية الجنائية تضم بين ثناياها القيم النفعية للمصالح الإجتماعية عمومًا، وهي التي تُملي على المشرع ضرورة الحماية، وبدوره يعمل على صيانتها بما يتلاءم وطبيعة تلك المصالح وقيمتها، فحقيقة الحماية وطبيعتها إذن هي التي تُحدّد المعيار القانوني للمصلحة أو الحق المحمي. ولغرض معرفة إنطباق ما أوردناه على معيار التجريم في الإعتداء على العقيدة والشعور الديني، فإنّ الحماية الجنائية لاتقوم على أساس فهم المشرع للأديان بوصفها قيمة إجتماعية يُخضعها القانون للحماية، فالمشرع عندما يُباشر حمايته لدين معين يأخذ بنظر الإعتبار النسبة التي يُشكّلها معتنقوه داخل المجتمع، ويُرتب إلتزامًا على الآخرين بإحترامه وعدم السخرية منه أو التَّهجُم عليه، فيكون الشعور الديني هو ذلك الشعور العام أو المعتقد الذي تتضمن حمايته أهداف وغايات متعددة أهمها الحفاظ على الأمن والنظام العام داخل مجتمع الدولة؛ لأن الشعور الديني إذا تعرّض إلى إعتداء، فإنّ الخطر الناجم عن ذلك الإعتداء كفيل بإنهيار النظام القيمي في المجتمع.
ومن ثم فإنّ معيار التجريم في جرائم العقيدة والشعور الديني يكون للإعتبارات التي أملت على المشرع الجنائي تجريمها، وهي إعتبارات إجتماعية نفعية، تتمثل بالقيمة المعنوية للأديان داخل النفوس البشرية، وعلى جسامة هذه القيمة كانت إستجابة القانون للتجريم. وطالما أنّ معيار التجريم في هذه الجرائم هو مصلحة إجتماعية فإنّ هذه المصلحة هي قيمة إجتماعية معتبرة، وهذا ما يُبرّر تناول المشرع العراقي لجرائم العقيدة والشعور الديني ضمن الجرائم الإجتماعية في الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات العراقي. ويكون للجرائم الماسة بالعقيدة والشعور الديني تأثيرًا خطيرًا، عن طريق الإنعكاس المادي الملموس، وهو إرتكاب أفعال من شأنها التأثير في الكيان المعنوي للإنسان، والذي يتمثّل بحرية الفكر من خلال كيانه المادي؛ وبذلك فإنّ حماية حرية العقيدة والشعور الديني تكون من خلال عدم إستطاعتنا فصل كيان الإنسان المادي عن كيانه المعنوي؛ لأن المساس بالكيان المعنوي يترتب عليه بديهيًا مساسًا مباشرًا بكيانه المادي وسلامته، ومن ثم فأي مساس بهذا الفرد يكون مساسًا بالمجتمع ويتطلب حمايته.
ويتم تفعيل سياسة التجريم لحماية المصلحة العامة بعدّها المحل القانوني الذي يسعى المشرع الجنائي إلى حمايتهِ، ويُراعي في ذلك التوازن بين المصلحتين العامة والخاصة. ويُمثّل الإعتداء على العقيدة والشعور الديني إعتداءً ذو حدث نفسي، بمعنى أنّ النتيجة المترتبة تكون في المساس بحق المعتقد الديني وبذلك فإنها ذات مدلول قانوني، إذ أنّ قِوام هذه الجرائم يتجسد بما ينطوي عليه أفعالها من إعتداء ماس بطبيعته للمشاعر الدينية، الأمر الذي يجعل من أثرها ذي طبيعة معنوية حتى لو صاحبه تغيير مادي. فضلاً عمّا تقدّم فإنّ هنالك إتجاهين في تحديد المصلحة المحمية بنص التجريم، إذ يرى الإتجاه الأول بأنّ المصلحة المحمية بهذا النص هو النظام العام لا الأديان ذاتها، ولا الطوائف التي تنتمي إلى هذه الأديان؛ ذلك أنّ الشعور الديني لدى الأفراد لا يمكن رده إذا ما أُثير لديهم وهو الأمر الذي يُعرّض الأمن والنظام العام لأضرار خطيرة. أما الإتجاه الثاني فيخالف الرأي القائل بأنّ المصلحة المحمية تتمثل بالنظام العام وليس الأديان، ومن ثم يذهب إلى أنّ من واجب القانون حماية الأديان من الإعتداء بكونها تُشكّل قيمة جوهرية في ذاتها. برأينا أنّ الإتجاه الأخير هو الأجدر بالتأييد؛ ذلك أنّ الدين في ذاتهِ هو صمام الأمن الفكري داخل المجتمع؛ لذلك فهو المقصود بالحماية، وأن الإعتداءات على العقيدة والشعور الديني أفعال مادية ذات مضمون نفسي، وهذا ما يعكس الأثر المترتب عليها والذي هو دائمًا أثرًا نفسي شعوري أكثر من كونه أثر مادي موضوعي.
تأسيسًا على ما تقدّم ومن خلال توخي القيم النفعية للمصالح التي يحميها القانون وبتجنب ما يمكن أن يُشكّله الإعتداء عليها من خطر يُهدّد كيان المجتمع بالإنهيار والتفكك نُدرِك بأنّ الحماية الجنائية لم تجعل من الدين خطها العام في سياسة التجريم، بل كان معيارها الإعتبارات الإجتماعية النفعية والتي تمثّلت بالقيمة المعنوية للأديان وجسامة نتيجة الإعتداء على شعور الإنسان، وما يمكن أن يُشكله هذا من خطر على أمنه العام، وعلى ذلك كانت إستجابة المشرع العراقي بالتجريم والعقاب.