انت الان في قسم هندسة تقنيات البناء والانشاءات

السدود.. أنواعها ومخاطر تصدعها أو انهيارها تاريخ الخبر: 06/02/2024 | المشاهدات: 179

مشاركة الخبر :

م.م الاء حسين عبد الامير
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمالات تصدع أو انهيار سد الفرات (الطبقة) في سوريا، ومن قبل ثارت كذلك مخاوف مشابهة بشأن سد الموصل في العراق بسبب آثار المعارك الطاحنة الدائرة في محيط كلا السدين، كما ثارت تكهنات عديدة باحتمال تصدع سد النهضة الجاري حاليا إنشاؤه في إثيوبيا بسبب عيوب هندسية تتعلق بتصميمه.
وكان من الطبيعي أن يثار بالتزامن مع هذا أكثر من سؤال يتعلق بمدى واقعية تحقق هذه المخاوف، ويتعلق أيضا -وهذا هو الأهم- بسلامة المجتمعات البشرية والممتلكات وكل الموجودات المحيطة بتلك السدود.
أنواع السدود واستخداماتها
تعتبر السدود من أقدم الوسائل التي استخدمها الإنسان لترويض عنفوان الأنهار وبقية المجاري المائية الطبيعية، وقد بدأ الإنسان في إقامتها في الأساس إما بهدف تنظيم وإدارة الموارد المائية المتاحة وتوفير احتياجاته من المياه الصالحة للشرب والزراعة، أو بهدف درء وتجنب خطر ما متكرر الحدوث مثل الفيضانات أو السيول، أو لتحقيق كلا الغرضين معا.
واعتمادا على نوع المادة المكونة للسد تنقسم السدود إلى نوعين رئيسيين، وكل منهما ينقسم بدوره إلى أنواع أخرى أكثر تعقيدا لا يتسع المجال هنا لذكرها، النوع الأول هو النوع الخرساني الذي عادة ما يتم بناء جميع أجزائه من الخرسانة الإسمنتية المسلحة، ويشترط عند بناء هذا النوع أن تتحمل التربة التحتية الضغط الهائل الناتج عن ثقل هذه الخرسانة.
ويتضمن النوع الثاني السدود الترابية أو الركامية التي تكون مادتها الإنشائية الأساسية من الحصى أو الركام بالإضافة إلى الرمال وإن كانت هذه الكتلة الحاجزة تبطن في جميع الأحوال بطبقة إسمنتية، وهذا النوع من السدود يتميز بانخفاض تكلفة بنائه نسبيا مقارنة بالنوع الأول، كما أن إنشاءه لا يتطلب عمل أساسات تحتية ضخمة مثلما الحال في السدود الخرسانية، لذا فإنه يكون أكثر عرضة للتصدع أو الانهيار مقارنة بالنوع الأول وإن كان هناك أكثر من عامل يحكم هذا الأمر، مثل قوة العامل الخارجي المؤثر (زلازل، متفجرات، براكين)، وطبيعة التربة التحتية، وطبيعة المنطقة الجيولوجية، وسلامة التصميم الهندسي، وخلافه.
لقد تطورت فكرة عمل السدود بشكل كبير منذ نهاية القرن الـ19 الميلادي، ولم يعد الهدف من إقامتها يقتصر على تخزين المياه لاستخدامها لاحقا في توفير مياه الشرب أو في تنظيم شؤون الري والزراعة، بل امتد إلى أوجه أخرى عديدة، مثل توليد الكهرباء وتحسين الملاحة النهرية، والتنمية السياحية من خلال استغلال شواطئ البحيرات الصناعية والخزانات المائية الواقعة خلف السدود، وتنمية الثروة السمكية من خلال الصيد وإقامة مشروعات الاستزراع السمكي في هذه البحيرات.
كما امتد الأمر إلى تطبيقات واستخدامات أخرى حيوية، حيث ظهرت مثلا السدود أو الحواجز البحرية التي تهدف للحد من زحف مياه البحر إلى المناطق السكنية والزراعية، خصوصا أثناء فترات المد، وظهرت كذلك سدود التخزين السطحي التي تهدف إلى تخزين المياه السطحية حتى يمكن جمعها والتحكم في توزيعها، وسدود التغذية الجوفية، وهي منتشرة في البلاد القاحلة وتعمل على تخزين مياه الأمطار الموسمية للاستفادة منها لاحقا.
آثارها الجانبية ومخاطرها
على الرغم من كل الفوائد والجوانب الإيجابية المذكورة سابقا فإنه من النادر أن يخلو أمر سد ما -خاصة السدود المقامة على الأنهار الكبرى- من بعض المخاطر الكامنة أو الأضرار والآثار السلبية خاصة على النواحي الاجتماعية والبيئية، وإذا بدأنا بالآثار الجانبية فإنه يمكن إيجاز أبرزها في النقاط التالية:
تهجير المجتمعات السكانية المتواجدة بمنطقة بناء السد، بما في ذلك من إخلال بالتركيبة السكانية والإضرار باستقرار وكينونة تلك المجتمعات.
إزالة الموائل الطبيعة، وبعضها قد يكون حاضنا لبعض الكائنات والأحياء الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض، فضلا عن التسبب في اختفاء بعض الأحياء المائية نتيجة احتجاز السد لها وعدم قدرتها على مواصلة رحلتها عبر مجرى النهر إلى المصب.
ارتفاع مستوى المياه الجوفية في المنطقة المحيطة بالسد نتيجة حجز كميات هائلة من المياه في الخزان المائي الخاص به، وتملح الأراضي الزراعية الواقعة قرب مصبات الأنهار بسبب ارتفاع وتقدم مستوى مياه البحر المالحة بالنسبة لمستوى المياه الجوفية.
حجز السد للطمي والغرين النهري الغني بالمواد العضوية والتي هي بمثابة سماد طبيعي يغذي التربة الزراعية والأراضي الواقعة في منطقة المصب وضفاف النهر، مما يؤدي إلى ضعف خصوبة هذه الأراضي وقلة انتاجيتها، كما يؤدي إلى افتقار المناطق الساحلية المستقبلة لمياه النهر للمغذيات الطبيعية التي كانت تفد دوريا محمولة مع هذه المياه، فتتضرر المصائد السمكية البحرية والموائل الساحلية نتيجة نقص هذه المغذيات.
زيادة عملية النحر في مجرى النهر وتآكل شواطئ دلتا النهر وتراجعها للخلف بدلا من تقدمها وحمايتها كنتيجة مباشرة لمنع الطمي والغرين والرمل المحمولة مع مياه النهر من الوصول لهذه الشواطئ وتغذيتها دوريا بالرمال والرسوبيات.
أما في ما يخص الخسائر المحتملة أو الناتجة عن انهيار أحد السدود كليا أو جزئيا فيتوقع لها بطبيعة الحال أن تكون مدمرة وكارثية، وهذا على أكثر من مستوى، ولا سيما إذا ما حدث هذا الأمر بشكل فجائي.
الخسائر البشرية
وإذا تحدثنا عن مقدار الخسائر البشرية الحادثة فهي تعتمد على عدة اعتبارات، أهمها كمية وعنفوان المياه المتدفقة من الخزان، وكثافة المجتمعات السكنية المستقرة في المناطق المحيطة بالسد، ومدى وجود خطط لإدارة الكوارث أو إنذار مبكر من عدمه، هذا فضلا عن طبيعة تضاريس هذه المنطقة ونمط توزيع أحواض التصريف والأودية السائدة بها، والتي يمكن أن تحد أو تزيد من سرعة وصول المياه المتدفقة من خزان السد إلى المناطق السكنية والمنشآت الاقتصادية المحيطة.