انت الان في قسم هندسة تقنيات البناء والانشاءات

تجريف البساتين و التمدد العقاري تاريخ الخبر: 19/08/2022 | المشاهدات: 773

مشاركة الخبر :

م.م علياء حيدر عبد اليمه
إن من متطلبات الحياة وجود مناخ مناسب للعيش الرغيد وبيئة نقية ولا يتوفر ذلك الا بوجود مناطق خضراء وحدائق مختلفة وهو ما تعمل عليه الدول المتقدمة بأنشاء مساحات خضراء كونها من مستلزمات العيش الضرورية و يعاني العراق منذ سنوات من تزايد تقلص المساحات الخضراء بسبب شحة المياه وتزايد أعداد المواطنين وقلة المجمعات السكنية الجديدة مقارنة مع أعداد السكان المتزايد وعدم تأهيل بعض المناطق السكنية التي تم توزيعها قبل عام 2003 بسبب إهمال متعمد من قبل الدوائر الخدمية في بغداد حيث عرف قطاع الاسكان في العراق في العقدين الاخيرين مشاكل كبيرة جعلت المواطن العراقي يتخبط في شراء الاراضي الزراعية لرخص ثمنها والبناء فيها بسبب غلاء الدور والاراضي السكنية والعقارات في عموم العراق ناهيك عن إجراءات المعاملات المطولة في دوائر البلدية ودوائر التسجيل العقاري والضريبة وبسبب عدم أنشاء مجمعات سكنية جديدة والعمل وفق خطة صحيحة للإسكان وأن الوضع الحالي مازال يعاني منه المجتمع العراقي من خلال التزاحم في البيوت بل وتقسيم البيت الواحد إلى بيوت وبمساحات صغيرة جداً لا تتلائم مع البيئة الصحية للإنسان العراقي وذلك كما قلنا عدم وجود أمكانية حكومية ووزارية في تحديد سياسة سكنية تحقق النجاح بتخطي أزمة السكن في العراق وتلافي جريمة تجريف البساتين والمناطق الزراعية.
يعد العراق من أقدم مواطن زراعة النخيل في العالم وأن مسلة حمورابي تحتوي على سبع قوانين متعلقة بالنخيل وكان الاشوريين قديماً يقدسونها وقد سمي العراق في السابق بأرض السواد وأنه من أكبر البلدان المصدرة للتمور في العالم وكان أعداد النخيل حسب إحصائية عام 1977 اكثر من 30 مليون نخلة منها حوالي 13 مليون نخلة في مدينة البصرة ويوجد350 نوع من التمور ولكن في السنوات السابقة قام البعض بإهمال وتدمير وتجريف البساتين والمناطق الزراعية بسبب هجرة الفلاحين إلى المدن وترك مهنة الزراعة وتزايد العاطلين عن العمل وأن الحلول والدراسات المستفيضة لم تتول إلى نتــــائج مثمرة وذلك لإرتفـــاع أسعار الأراضــي السكنية مقـــارنة بالأراضي الزراعية رخيصة الاسعــار وأتجه المواطنين لشرائها بسبب أزمـــة السكن ولكن في العــــراق لم يحظى قطـــاع الإسكـــان بـأولوية وأهمية في أنجــاز برامجـه وذلك بسبب إنشغال الوزارات بمكافحة الإرهاب والفساد الإداري المستشري فيها وعلى الرغم من الجهود الحكومية الحالية التي بذلتها الدولة لانعاش قطاع الاسكان من خلال أنشاء المجمعات السكنية الجديدة عن طريق المستثمرين الإ أن الواقع أثبت العكس من ذلك وإذا لم يتم أيجاد الحلول الصحيحة والسريعة فبعد عدة سنوات سنجد اغلب المدن خالية تماماً من بساتين النخيل وهو أمر محزن وكارثة إقتصادية كبيرة لبلد كان الاول عالمياً من حيث التصدير للتمور كما إن الهوية الجديدة لتلك الأراضي الزراعية التي تحول جنسها هي الأخرى غير قانونية وهذه التجاوزات السافرة أضرت بالبيئة والاقتصاد كثيراً.

أن أشجار النخيل هي من الاشجار المباركة التي أمرنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين بزراعتها ورعايتها والاهتمام بها لما فيها من خير وفير للإنسان بل ولجميع الكائنات الحية وهي أقرب المخلوقات للإنسان حيث قال الرسول الاكرم (ص) (أكرموا عمتكم النخلة فأنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم) ولكن كــل هـذا وتم تجـريف العديد مـن بسـاتين النخيل المثمـرة في منـاطق بغـداد وجنوب العراق وديالى بسبب ظروف وأزمة السكن في العراق وقد تناقصت أعدادها بشكل ملحوظ وكارثي .
ول لكي لا ننسى أو نتناسى إن النخيل ثروتنا ولا يذكر أسم العراق إلا وتذكر النخلة ضمن الشواهد فيه وأن التجريف طالها بسبب التمدد العقاري الغير نظامي المقترن بالفساد الإداري والمالي المستشري وتحويل بساتين النخيل الى مناطق سكنية وصناعية لأغراض تجارية.
مشاكل عدم تشخيص الاسباب الحقيقية
إن مشكلتنا في البلدان النامية هي عدم تشخيص الأسباب الحقيقية للمعاضل والمشاكل الموجودة ومن هذه المشاكل يحتاج العراق الأن إلى زراعة أكثر من 16 مليار شجرة ونحن بحـاجة إلى برنــامج وطني للتشجير لأن تجريف البسـاتين والمنــاطق الزراعية الخضراء كــان قــدسبب نقص كثير من الاشجار مما سيؤدي إلى ضرر بيئي مستمر يهدد الصحة العامة للسكان بل وتزيد من الاحتباس الحراري وأيضاً دعت لجنة الزراعة في البرلمان العراقي إلى وضع حد لعملية تجريف البساتين والمناطق الزراعية ومحاسبة فاعليها كونها تمس الامن البيئي والصحة العامة للمواطن العراقي علما إن تجريف البساتين والمناطق الزراعية يقع خلفها جهات سياسية ومتنفذين وأصحاب الأموال وعدم وجود خطة حقيقية ملموسة لأنشاء مدن جديدة وربطها بطرق مواصلات سليمة.
الأسباب التي أدت الى أزمة السكن وتجريف الاراضي الزراعية والبساتين
أن الفساد الإداري والمالي وكثرة الاستيراد وشحة المياه أدت إلى عدم تطبيق المشاريع الزراعية في العراق وسرقة أموال المشاريع المخصصة لهذا الشأن أدى إلى إنحسار المناطق الخضراء بسبب عدم الاهتمام بها إضافة الى التخريب المتعمد من قبل بعض الإشخاص باستغلال وتخريب الحدائق العامة والخاصة دون الشعور بالمسؤولية بسبب عدم وجود قوانين صارمة تطبق بشكل صحيح على من يعبث بالحدائق والبساتين والمناطق الخضراء حيث إن الأزمة الحالية للسكن كانت عاملاً مهماً في خسارة بغداد وغيرها من المحافظات لبساتينها وخضرتها في ضل غياب الخطط الجادة لمعالجة الازمة وقد أختفت في الآونة الاخيرة المنازل الكبيرة ذات الحدائق الواسعة الجميلة التي تتدلى خلف أسيجتها ثمار أشجار الفاكهة والحمضيات وتبعث الروائح الزكية ليلاً إذ دفعت أزمة السكن الحالية المستعصية في العراق من ارتفاع أسعار العقارات إلى تقسيم البيوت وتحويل حدائقها ومتنفسها إلى بيوت ومشتملات صغيرة إضافة إلى إن الجهات المعنية بالحفاظ على المناطق الخضراء قد تواطأوا مع تجار تجريف البساتين وتحويلها إلى مبالغ مالية تقاسموها فيما بينهم وأن أمانة بغداد هي الجهة المؤتمنة على خضرة المدينة وبهجتها وهي مازالت ماضية بنهجها في التخلي عن أراضيها المخصصة كمشاتل وتقوم بمنحها لجهات إستثمارية حيث تحولت مناطق كبيرة الى مولات ومدن العاب ومقاه ومباني عمودي كان يفترض أن تظل متنزهات وحدائق جميلة للتخفيف من حرارة الصيف اللاهب بل وتركت في المقابل أراضي كبيرة غير مأهولة ولا مزروعة مخصصة للسكن بدون خدمات وبنى تحتية كانت من المؤمل أن تكون خطوة أولى لغرض حل أزمة السكن في العراق.
التحديات والصعوبات
تواجه برامج الإسكان في العراق عدة صعوبات ومعوقات تحول دون تنفيذ سياسة إسكان حقيقية صحيحة وجدية ناجحة ومن أبرز تلك التحديات والمعوقات:
أ. عدم وجود مراقبة عمرانية حقيقية من قبل الوزارات والجهات ذات العلاقة.
ب. نقص الموارد المالية والاراضي الحقيقية الجديدة المخصصة للبناء الصحيح.
ج. عدم تماشي القدرة الشرائية للمواطن للعقارات الجديدة ونقص عرض الوحدات السكنية مقارنة بالطلب عليها.
د. خلو الموازنات السنوية العامة من رصد الأموال اللازمة لبناء المجمعات الإسكانية وعدم إعطاء أهمية لموضوع الإسكان.
هـ. أرتفاع عناصر البناء السكني الاساسية (الارض- مواد البناء- الايدي العاملة- رسوم التسجيل والضريبة وغيرها) في ضل تراجع القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود مع زيادة نسبة الفوائد للقروض.
و. غياب الرؤية العلمية والتخطيط الاستراتيجي للإسكان في ضل العشوائية التي تملها الظروف الاستثنائية الحالية.
ز. تركيز شركات الإسكان على سوق الرفاهية لأنها أكثر ربحية من غيرها.
ح. وجود عملية لغسل الأموال تجري عن طريق بيع وشراء العقارات.
إن حل مشكلة السكن في العراق الاخرى عموماً يقتضي بناء سياسة أسكانية شاملة تلبي إحتياجات المستويات الاجتماعية كافة ولاسيما منهم محدودي الدخل كون مشكلة السكن تطال بالدرجة الأولى الفئات الاجتماعية المتوسطة و المتدنية الدخل وموظفي الدولة والعسكريين بجميع فئاتهم كون الشباب الآن يواجهون صعوبات جمة في الوصول إلى توفير السكن الملائم لهم والقضاء على أزمة السكن في البلاد أصبح كسلاح ذو حدين كونه يعالج أزمة السكن بالدرجة الأولى من جهة ويوقف عملية تجريف البساتين والأراضي الزراعية من جهة أخرى.
الحلول والمقترحات لتجاوز أزمة السكن ومنع تجريف الدور والبساتين
أ .تأهيل وأكساء الأراضي السكنية وايصال الخدمات العامة والبنى التحتية لجميع الأحياء السكنية الجديدة وأقصد بذلك (الماء والكهرباء والصرف الصحي.
ب. أيقاف عملية تجريف البساتين والاراضي الزراعية في عموم العراق وإعطاء قروض الإسكان للمواطنين وزيادتها وتقديم التسهيلات لهم.
ج. التوجه إلى بناء المجمعات السكنية العمودية في أطراف المحافظات المناسبة للسكن ومنها بغداد مثل مجمع بسماية لفك الأختاقات عن المدن الرئيسية.
د‌. منح تسهيلات استثنائية للمقاولين الراغبين بأنشاء المجمعات السكنية وخدمة المواطنين ودعم شركات المقاولات العامة وتشجيع القطاع الخاص في المساهمة في تنمية قطاع الإسكان.
هـ. أعداد خطة للثلاث سنوات القادمة تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الفعلية السكنية المتوقعة والحاجة إلى إقامة مجمعات سكنية بدعم حكومي لموظفي الدولة.
و. أعادة التوازن في عملية الإسكان الصحيح للمواطنين.
ز. الاهتمام بقطاع الاسكان وتناول موضوعه بشكل أوسع بوضع إستراتيجية للنهوض من خلال تسهيل البناء للمواطن وإكساء الطرق وتوفير البنى التحتية.
ح. اللجوء إلى التخطيط المحكم قبل البدء بأي مشروع سكني جديد.
ط‌. مراقبة أسعار الاراضي وضبط سوق العقارات.
ي. ضرورة إيجاد قيادة أداريه صحيحة باستراتيجية حكومية موحدة لمواجهة أزمة السكن.
ك. بناء مجمعات سكنية واطئة الكلفة توزع لأصحاب العشوائيات لغرض رفع التجاوزات.
ل. التعرف على حجم العجز الحقيقي للسكن من خلال مقارنة أعداد العوائل بالمساكن.
م. تمويل لمشاريع أسكان الشرائح الإجتماعية محدودة الدخل عبر مشروع الإيجار التمليكي وهو مشروع ناجح وطبق بالفعل في عدة دول حيث تصل مدة الإيجار إلى 20 أو 30 عاماً ينتقل خلالها أو في نهايتها المستأجر من حالة الإيجار إلى حالة التملك.
ن. توفير البناء الجاهز أو المساكن الجاهزة .
إن أزمة السكن وفي العراق تحتاج الى ثورة حكومية أسكانية شاملة حيث أصبح السكن يشكل الشغل الشاغل للمواطن البسيط وللحكومة على حد سواء حيث أصبح مـن السهـل تحديد مستوى هذا العجز بالخصوص عندما يتعـلق الأمـر بربط الطــلب عـلى السكن بالقدرة الشرائية للمواطن مما زاد في تفــاقم الأوضاع في قطـاع الإسكان هـو عدم كفـاية الموارد المالية بل وعجز قطاع البناء عن تأدية دوره في تغطية الاحتياجات الحقيقية من حيث الجودة والتكلفة لأن السكن هو الحق الاساسي لكل فرد ولكل أسرة في الحصول على مأوى وأن الحكومة تتحمل مسؤولية السعي لتوفير كافة الامكانيات وتذليل جميع الصعوبات وفتح جميع السبل من أجل تحقيق هذا الهدف تأكيداً لمبدأ الرعاية الذي لابد أن تحافظ عليه