انت الان في كلية العلوم الادارية

التمكين بين الفكر النظري والمنظور الاسلامي تاريخ الخبر: 14/06/2025 | المشاهدات: 280

مشاركة الخبر :

أ.د أمل عبد محمد علي
كلية العلوم الإدارية – جامعة المستقبل
يعد التمكين مفهوما محوريا في الخطاب التنموي والاجتماعي المعاصر ، ويهدف الى نعزيز قدرات الافراد والجماعات ومنحهم الادوات والفرص اللازمة لاتخاذ القرارات وتحقيق اهدافهم. يتجاوز التمكين مجرد المساعدة وتقديم الدعم ، ليصبح عملية شاملة تمكن من المشاركة الفاعلة في جميع مجالات الحياة ،. يتناول الفكر النظري الحديث التمكين من منظورات مختلفة وتشمل الابغاد الاجتماعية ، الاقتصادية، السياسية ، والنفسية ، وتتمثل الغاية الاساسية للتمكين في الفكر الغربي في تحسين جودة الحياة ، وتحقيق الذات للافراد، وزيادة فعالية المنظمات والمجتمعات من منظور انساني ومادي بحت. ويشير الفكر النظري الحديث الى ان" التمكين" ليس مجرد نتيجة،بل هو عملية ديناميكية تتطلب تظافر جهود الافراد والمؤسسات والدجول ، كما يؤكد على اهمية الوكالة الذاتية للافراد ، اي قدرتهم على العمل بشكل مستق وواعي لتحقيق اهدافهم.
اما التمكين في المنظور الاسلامي فيحمل في طياته مفهوما عميقا ورؤية متكاملة تتجذر في مبادىء الشريعة الاسلامية وقيمها السامية التي تسعى الى تحقيق مصلحة الفرد في الدنيا والاخرة.لذا فان مفهوم
" التمكين " ذو ابعاد اشمل واعمق ،ويشمل الابعاد الروحية ، الاخلاقية، الاجتماعية ، والاقتصادية، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالعقيدة والغايات الكبرى للدين ويمكن فهمه من خلال النقاط التالية:-
وعد الهي مشروط التمكين في الاسلام هو وعد من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنون الصالحون وهو وعد ليس مطلقا بل مشروط يقوا تعالى عز وجل في كتابه الكريم" وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم بعد خوفهم امنا يعبدونني لايشركون بي شيئا"( النور 55 ).
شمولية المفهوم يشمل التمكين في الاسلام القوة المادية والمعنوية ويرتكز بالاساس على القوة الروحية والاخلاقية المستمدة من الايمان والتقوى.
التمكين الفردي والجماعي على الرغم من ان الخطاب القراني غالبا ما يتناول تمكين الامة المسلمة ككل ، الا ان ذللك لايتحقق الا بتمكين افرادها فالمسلم مكلف بالسعي والاخذ بالاسباب وتنمية قدراته ليكون عنصرا فاعلا في مجتمعه وامنه ، تحقيقا لمفهوم "الاستخلاف" الذي يعني ان الانسان خليفة الله في اعمار الارض بالخير والعدل.
غاية التمكين لايهدف التمكين في الاسلام الى مجرد السيطرة وتحقيق مكاسب دنيوية ، بل هو وسيلة لغايا اسمى، وهي عبادة الله واقامة دينه وتحقيق العدل والخير في المجتمع، بقوله تعالى
" الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور" (الحج41 )
يتضح من ذلك ان هناك فرقا جوهريا بين مفهومي التمكين في الفكر النظري والفكر الاسلامي ، فبينما يركز الفكر النظري على تمكين الانسان لذاته وتحقيق اهدافه المادية والاجتماعية ضمن منظور بشري ، يربط الفكر الاسلامي للتمكين بمنظور عقائدي اشمل، حيث يصبح القوة والسيطرة وسيلة لتحقيق غاية الهية عظمى ، وهي اقامة مجتمع عادل يعبد اله ويعمر الارض بالصلاح.
وعلى الرغم من الاختلافات في المنطلقات الفلسفية بين الفكر النظري الحديث والمنظور الاسلامي في مفهوم التمكين الا ان كلاهما يؤكد على اهمية ( الكرامة الاسانية ، المشاركة الفاعلة، العدالة والمساواة، تنمية القدرات،الشمولية، الغاية النهائية ،) لذا نلاحظ ان كلا المفهومين يشتركان في اهمية تنمية القدرات والاخذ بالاسباب ، لكنهما يختلفان في المنطلق والغاية النهائية ، ولكل منهما مرجعيته في ذلك ، حيث ان الفكر النظري يستمد مرجعيته من النظريات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي قد تتغر بتغير السياقات ، بينما يستمد المنظور الاسلامي مرجعيه من النصوص الشرعية الثابتة ومقاصد الشريعة
لذا يمكنا القول ان التمكين سواء من المنظور الفكر النظري او الاسلامي ، هو دعوة الى بناء انسان قادر على العطاء، منتج، ومشارك بفاعلية في صنع مستقبله ومستقبل مجتمعه . وان فهم الابعاد المتكاملة للتمكين يمكن ان يساهم في صياغة استراتيجيات تنموية اكثر شمولية وفاعلية ، تستجيب لحاجات الانسان الروحية والمادية معا.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية.