مقالة علمية بعنوان: (الشمول المالي ودوره في معالجة الفقر)
بقلم: ( أ.د حيدر علي الدليميّ )
عميد كلية العلوم الإدارية – جامعة المستقبل
يُعتبر الشمول المالي أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستويات المعيشة، حيث يسهم بشكلٍ مباشر في تمكين الأفراد والمؤسسات الصغيرة من الوصول إلى الخدمات المالية التي يحتاجونها، كالحسابات البنكية، والقروض، والتأمين، مما يساهم في تعزيز النشاط الاقتصادي ورفع مستوى الرفاهية الاجتماعية. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الشمول المالي يلعب دورًا محوريًا في الحد من الفقر، خاصةً في البلدان النامية حيث يعاني عدد كبير من السكان من انعدام الفرص المالية والاقتصادية.
مفهوم الشمول المالي:
يُعرَّف الشمول المالي بأنه إتاحة المنتجات والخدمات المالية لجميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، بطريقة ملائمة وبأسعار معقولة. ويهدف الشمول المالي إلى تقديم حلول ميسرة ومبتكرة تمكن الفئات المهمشة أو ذات الدخل المحدود من الانخراط في النظام المالي، كفتح حسابات بنكية إلكترونية، وتمويل مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، والاستفادة من خدمات الدفع والتحويل الإلكتروني.
دور الشمول المالي في معالجة الفقر:
للشمول المالي عدة أدوار محورية في الحد من الفقر وتعزيز فرص التمكين المالي والاجتماعي للفئات المستهدفة، وتتمثل أبرز هذه الأدوار في النقاط التالية:
1. تعزيز القدرة على الادخار وإدارة الموارد المالية:
بفضل الوصول إلى الخدمات المالية، يتمكن الأفراد من ادخار أموالهم بطريقة آمنة وفعالة، مما يُمكِّنهم من مواجهة الظروف الطارئة والتخطيط لمستقبل أكثر استقرارًا. كما أن خدمات التمويل والتأمين تساعد الأسر ذات الدخل المحدود في تقليل المخاطر المالية.
2. دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر:
تمويل المشروعات الصغيرة يعد من أهم الأدوات التي يوفرها الشمول المالي، إذ تمكن هذه المشروعات من خلق فرص عمل، ورفع مستوى المعيشة، وتقليل نسب البطالة. كما أن تمكين هذه الفئة من الوصول إلى التمويل البنكي يساعد في توسع هذه المشروعات ويعزز استدامتها، مما يسهم في خلق دورة اقتصادية تدعم الاقتصاد الوطني وتحد من الفقر.
3. توفير وسائل دفع آمنة:
تُسهم وسائل الدفع الرقمية في تقليل تكاليف المعاملات وزيادة كفاءتها، مما يسهل على الأفراد استلام الرواتب والمساعدات المالية، ويقلل من الاعتماد على النقود الورقية التي قد تكون عرضة للتلف أو الضياع. هذا يسهم في زيادة الأمان المالي ويعزز ثقة الأفراد في التعامل مع النظام المالي الرسمي.
4. دعم النساء والشباب:
يُعد الشمول المالي فرصة حقيقية لدعم الفئات الأكثر تأثرًا بالفقر، كالشباب والنساء، حيث يعاني الكثير منهم من التهميش المالي. توفير فرص الوصول إلى الخدمات المالية لهؤلاء الفئات يمكن أن يسهم في تحسين وضعهم الاقتصادي، ويساعد النساء في المشاركة في النشاط الاقتصادي بفعالية أكبر، مما ينعكس إيجابًا على دخل الأسر والمجتمع.
التحديات التي تواجه الشمول المالي في مكافحة الفقر:
على الرغم من الفوائد الكثيرة التي يقدمها الشمول المالي في مكافحة الفقر، إلا أن هناك تحديات عديدة يجب التغلب عليها لتحقيق الأهداف المرجوة. من أبرز هذه التحديات:
1. ضعف البنية التحتية المالية: تحتاج الدول النامية إلى تحسين البنية التحتية المالية كشبكات الاتصالات وأنظمة الدفع الإلكترونية لضمان وصول الجميع إلى الخدمات المالية.
2. التحديات القانونية والتنظيمية: قد تواجه الحكومات تحديات في تنظيم وتطوير القطاع المالي بما يتناسب مع متطلبات الشمول المالي، مما يستدعي وضع سياسات تشريعية وتسهيل إجراءات الحصول على الخدمات المالية.
3. الأمية المالية: تفتقر الكثير من الفئات المستهدفة إلى الوعي الكافي بأهمية الخدمات المالية وكيفية استخدامها، وهذا يتطلب برامج توعية وتثقيف مالي.
4. نقص الثقة في المؤسسات المالية: لا يزال الكثير من الأفراد في الدول النامية مترددين في التعامل مع البنوك، خوفًا من المخاطر المالية، وهذا يتطلب بناء ثقة الأفراد في النظام المالي من خلال تطوير خدمات تتسم بالشفافية والأمان.
(الشمول المالي كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة):
يعتبر الشمول المالي خطوة محورية نحو تحقيق التنمية المستدامة وفقًا لأهداف الأمم المتحدة، خصوصًا الأهداف المتعلقة بالقضاء على الفقر والجوع، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز النمو الاقتصادي. فعندما يتمكن جميع أفراد المجتمع من الوصول إلى خدمات مالية تناسب احتياجاتهم، يصبح بإمكانهم المساهمة بفعالية في الاقتصاد الوطني، مما يُسهم في تحقيق النمو الشامل والمستدام.
واخيرًا يمكننا القول:
في ظل التطور التكنولوجي وتزايد الاهتمام بتمكين الفئات الفقيرة والمهمشة، أصبح الشمول المالي أداة قوية لمكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.