مقالة للاستاذ احمد فؤاد الخزاعي بعنوان " أثر المختبرات الطبية في السيطرة على الأمراض الانتقالية " تاريخ الخبر: 05/07/2025 | المشاهدات: 563

مشاركة الخبر :

لطالما لعبت المختبرات الطبية دوراً حاسماً في حماية الصحة العامة، لكن هذا الدور يتجلى بشكل خاص في أوقات انتشار الأمراض الانتقالية. فحين تواجه المجتمعات خطر عدوى سريعة الانتشار، يصبح المختبر هو الخط الأمامي الأول في المعركة، حيث تُكتشف العوامل المسببة للأمراض، وتُراقب سلوكها، وتُحدد سبل الحد من انتشارها (World Health Organization [WHO], 2020).

عندما يظهر مرض معدٍ في بيئة ما، فإن الخطوة الأولى تبدأ غالباً من المريض نفسه، حيث يُطلب منه إجراء فحوصات مختبرية لتحديد سبب الأعراض. ومن خلال هذه الفحوصات، سواء كانت مسحات من الأنف، أو عينات دم، أو فحوصات مناعية، يتم عزل المسبب – سواء كان فيروساً أو بكتيريا أو طفيلياً. هذا الاكتشاف ليس مجرد معلومة طبية، بل هو نقطة الانطلاق لتتبع مصدر العدوى، وتحليل سلوكها، واتخاذ قرارات سريعة على مستوى الأفراد أو المجتمع (Peterson et al., 2021).

دور المختبر لا يقتصر على التشخيص، بل يتعداه إلى المراقبة الوبائية المستمرة. فمثلاً، تقوم مختبرات الصحة العامة بجمع بيانات من آلاف الحالات وتحليلها لاكتشاف الأنماط، كزيادة الحالات في منطقة معينة أو تطور سلالة جديدة من الفيروس (Centers for Disease Control and Prevention [CDC], 2022). هذا النوع من التحليل يُمكّن الجهات الصحية من التدخل المبكر، سواء من خلال فرض إجراءات صحية، أو إطلاق حملات تطعيم، أو تحذير السكان من مناطق الخطر.

ولا يمكن إغفال دور المختبر في متابعة فعالية العلاجات، فخلال انتشار أي مرض معدٍ، تُستخدم التحاليل لتحديد ما إذا كانت المضادات الحيوية فعالة أم أن هناك مقاومة بدأت تظهر. هذا النوع من المعلومات لا يمكن اكتشافه إلا في المختبر، وهو ما يساعد في توجيه وصف الأدوية وتجنب العلاجات غير المجدية التي قد تؤدي إلى تفاقم الوضع (Laxminarayan et al., 2013).

علاوة على ذلك، تعتبر المختبرات الطبية من أهم أدوات تقييم كفاءة الاستجابة الصحية. فعندما تُطلق حملة تطعيم، على سبيل المثال، يمكن للمختبر أن يقيس مدى فعالية اللقاح في إنتاج مناعة لدى السكان، ويرصد استمرار وجود الأجسام المضادة بعد شهور من التطعيم، وهو ما يعطي تصوراً واضحاً عن مدى الحاجة إلى جرعات إضافية أو إلى تغيير الاستراتيجية (Krammer, 2021).

ومع تقدم التكنولوجيا، أصبحت المختبرات تعتمد بشكل متزايد على تقنيات متطورة مثل PCR، والتسلسل الجيني، والتقنيات المناعية السريعة، وكلها أدوات ساعدت بشكل مباشر في تسريع عملية الكشف، وتقليل عدد الإصابات، وتحسين جودة الرعاية الصحية. ولعلّ جائحة كوفيد-19 كانت مثالًا واضحًا على هذا الدور، حيث لعبت المختبرات الدور الأكبر في اكتشاف الفيروس، ومتابعة انتشاره، والكشف عن السلالات المتحورة، وتحديد نسب الإصابة المجتمعية (Zhou et al., 2020; Shu & McCauley, 2017).

إضافة إلى كل ذلك، لا يمكن تجاهل البعد التوعوي والتثقيفي لنتائج المختبرات. فعندما يُعلن عن نسبة الإصابة في مدينة ما، أو يُحذر من ظهور سلالة جديدة، فإن هذه المعلومات تُبنى في أساسها على تحاليل دقيقة خرجت من المختبرات، مما يساعد على رفع وعي الناس، وزيادة التزامهم بالإجراءات الوقائية، وبالتالي خفض عدد الحالات (Larson et al., 2020).

في النهاية، يمكن القول إن المختبرات الطبية لا تعمل في الظل فقط، بل تعمل في العمق. هي العين التي ترى ما لا يُرى، والوسيلة التي تكشف ما يختبئ خلف الأعراض. في مواجهة الأمراض الانتقالية، المختبر ليس مكاناً للتشخيص فقط، بل هو سلاح استراتيجي في يد النظام الصحي، ومن دونه تصبح السيطرة على العدوى عملية عشوائية محفوفة بالمخاطر. فكل أنبوب اختبار يحمل بداخله احتمالاً لإنقاذ حياة، وكل تقرير مخبري قد يكون بداية النهاية لانتشار وبائي خطير.

المصادر :
Centers for Disease Control and Prevention. (2022). Public Health Surveillance and Data. https://www.cdc.gov

Krammer, F. (2021). A correlate of protection for SARS-CoV-2 vaccines is urgently needed. Nature Medicine, 27(7), 1147–1148. https://doi.org/10.1038/s41591-021-01432-4

Larson, H. J., Broniatowski, D. A., & Quinn, S. C. (2020). Addressing vaccine hesitancy and resistance through public health communication. The Lancet, 396(10255), 909–911. https://doi.org/10.1016/S0140-6736(20)32399-3

Laxminarayan, R., Duse, A., Wattal, C., et al. (2013). Antibiotic resistance—the need for global solutions. The Lancet Infectious Diseases, 13(12), 1057–1098. https://doi.org/10.1016/S1473-3099(13)70318-9

Peterson, A. T., et al. (2021). Pathogen surveillance using molecular diagnostics. Journal of Clinical Microbiology, 59(6). https://doi.org/10.1128/JCM.00025-21

Shu, Y., & McCauley, J. (2017). GISAID: Global initiative on sharing all influenza data – from vision to reality. Eurosurveillance, 22(13), 30494. https://doi.org/10.2807/1560-7917.ES.2017.22.13.30494

World Health Organization. (2020). Laboratory testing strategy recommendations for COVID-19. https://www.who.int/publications

Zhou, P., et al. (2020). A pneumonia outbreak associated with a new coronavirus of probable bat origin. Nature, 579(7798), 270–273. https://doi.org/10.1038/s41586-020-2012-7
جامعة المستقبل
الجامعة الاولى في العراق