معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية: قراءة قانونية وسياسية في ضوء الواقع الدولي تاريخ الخبر: 24/06/2025 | المشاهدات: 773

مشاركة الخبر :

تُعدّ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) من أهم الاتفاقيات الدولية الرامية إلى الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، وقد تم التوقيع عليها عام 1968 ودخلت حيز التنفيذ في 1970، وبلغ عدد الدول الأطراف فيها أكثر من 190 دولة. تقوم المعاهدة على ثلاثة أركان: منع الانتشار، نزع السلاح، والاستخدام السلمي للطاقة النووية.
الدول الموقعة والمخالفة:
تعهدت الدول غير الحائزة للسلاح النووي بعدم السعي لامتلاكه، في حين التزمت الدول الخمس النووية (أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين) بعدم نقل التقنية النووية العسكرية والسعي نحو نزع السلاح تدريجيًا. لكن دولًا مثل إسرائيل، الهند، وباكستان لم توقّع، وتمتلك ترسانة نووية دون عقوبات. أما كوريا الشمالية فقد انسحبت من المعاهدة عام 2003 وامتلكت السلاح النووي فعليًا.
ازدواجية المعايير الدولية:
تُعامل الدول العربية والإسلامية معاملة قاسية، كما في حالتي العراق وإيران، حيث تُفرض العقوبات والتدخلات عند أدنى شبهة بمحاولة التسلح النووي، في حين يغضّ الطرف عن إسرائيل رغم امتلاكها سلاحًا نوويًا وخروجها عن إطار المعاهدة.
هذه الازدواجية تقوّض مصداقية القانون الدولي، وتعكس هيمنة سياسية تُكرّس الضعف في دول بعينها، لا حفاظًا على السلم، بل تعزيزًا للاحتكار النووي.
حق الدول في امتلاك القوة:
من المبادئ البديهية في القانون الدولي أن لكل دولة الحق في الدفاع عن نفسها وحماية سيادتها، شريطة أن يكون ذلك ضمن التزاماتها القانونية. لكن حين تنتهك الدول الكبرى التزاماتها ولا تتنازل عن ترسانتها، يكون من حق الدول الأخرى التفكير جديًا في امتلاك أدوات الردع، حفاظًا على أمنها القومي.
وقد عبّر عن ذلك الإمام علي (عليه السلام) بقوله:
"أقرب الناس إلى السلام من شهر سيفه"،
أي أن القوة الرادعة قد تكون مفتاحًا للسلام، لا مدخلًا للحرب.
ويؤكد القرآن الكريم على هذا المعنى بقوله تعالى:
"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل تُرهِبون به عدوّ الله وعدوكم" الأنفال: 60
وهو توجيه رباني بإعداد وسائل الردع لحماية الأمة، لا للعدوان.
الواقع الأليم: فلسطين ولبنان أنموذجًا:
لقد جسدت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة وجنوب لبنان حجم الهوة في موازين القوة، وكيف أن امتلاك العدو للسلاح النووي، والدعم الغربي اللامحدود، يقابله صمت دولي وعربي وإسلامي مطبق أمام الإبادة الجماعية. وهو ما يعزز القناعة بأن ضعف المسلمين وتفرقهم هو سبب استمرار المجازر، لا غياب الحجج القانونية أو الأخلاقية.
خاتمة: معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وُضعت لتمنع الكارثة، لكنها تُستخدم اليوم أداة لإبقاء الأمم المستضعفة في خانة العجز والهيمنة. إننا كدول وشعوب مسلمة وعربية لا نُطالب بالدمار، بل بالعدالة والمساواة والكرامة.
فكما أن لأمريكا وإسرائيل حق الدفاع – حسب زعمهم – فإن لنا، بل علينا، أن نُعدّ أنفسنا بقوة لنرهب عدو الله وعدونا، لا للظلم بل للردع، لا للعدوان بل لحماية الإنسان، مصداقًا لقوله تعالى:
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين". ال عمران 139

د. علي جاسم محمد السعدي


جامعة المستقبل الاولى على الجامعات الحكومية والاهلية في العراق