م.د. مهدي حمزة منذور / كلية التمريض
يشهد قطاع الرعاية الصحية تحولاً جذرياً بفضل التقدم التكنولوجي، ويُعدّ تمريض صحة المجتمع الرقمي (Digital Health Community Nursing) في طليعة هذا التحول. يعتمد هذا المفهوم على دمج الأدوات والتقنيات الرقمية لتعزيز قدرة ممرضي صحة المجتمع على تقديم رعاية شاملة وفعّالة، والوصول إلى فئات أوسع من السكان، وتحسين النتائج الصحية على مستوى المجتمع. لا يقتصر الأمر على استخدام الأجهزة الذكية، بل يمتد ليشمل أنظمة إدارة البيانات، والذكاء الاصطناعي، والاتصال عن بُعد، بهدف بناء نظام رعاية صحية أكثر كفاءة وملاءمة وشمولية.
1. مفهوم تمريض صحة المجتمع الرقمي
يُعرّف تمريض صحة المجتمع الرقمي بأنه تطبيق التكنولوجيا الرقمية لتقديم وتنسيق وإدارة الرعاية التمريضية في البيئات المجتمعية. يشمل هذا المفهوم استخدام مجموعة واسعة من الأدوات الرقمية مثل:
• الصحة عن بُعد (Telehealth/Telemedicine): تقديم الاستشارات والمتابعة والدعم الصحي عبر مكالمات الفيديو أو الهاتف.
• تطبيقات الصحة المتنقلة (Mobile Health - mHealth): استخدام التطبيقات على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية للتثقيف الصحي، تتبع الأعراض، إدارة الأدوية، وربط المرضى بالممرضين.
• الأجهزة القابلة للارتداء والمراقبة عن بُعد: أجهزة الاستشعار التي تجمع البيانات الصحية (مثل معدل ضربات القلب، مستوى السكر في الدم، ضغط الدم) وترسلها لاسلكياً إلى الممرضين للمراقبة المستمرة.
• السجلات الصحية الإلكترونية (Electronic Health Records - EHRs): لتوثيق الرعاية، وتتبع تقدم المرضى، وتحسين تبادل المعلومات بين مقدمي الرعاية.
• الذكاء الاصطناعي (AI) وتحليل البيانات الضخمة: لتحليل أنماط البيانات الصحية، التنبؤ بالمخاطر، وتخصيص خطط الرعاية.
2 . تطبيقات تمريض صحة المجتمع الرقمي في جودة الرعاية الصحية:
تُطبق أدوات تمريض صحة المجتمع الرقمي في العديد من المجالات لتعزيز جودة الرعاية والوصول إليها:
•متابعة الأمراض المزمنة: يمكن للممرضين استخدام تطبيقات الهاتف الذكي لمتابعة مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم والربو. يتمكن المرضى من تسجيل قراءاتهم اليومية، ويتلقون تذكيرات بتناول الأدوية أو ممارسة الرياضة، بينما يمكن للممرضين مراجعة هذه البيانات وتقديم الدعم أو التدخل عند الحاجة دون الحاجة لزيارات متكررة للمنشأة الصحية.
•الصحة النفسية والدعم: توفر المنصات الرقمية مساحة آمنة للمرضى لتلقي الاستشارات النفسية والدعم من الممرضين المتخصصين عن بُعد، مما يكسر وصمة العار ويسهل الوصول إلى المساعدة، خاصة في المجتمعات التي تفتقر إلى الأخصائيين.
•التثقيف الصحي والتوعية: يمكن للممرضين تطوير ونشر مواد تثقيفية رقمية تفاعلية (مقاطع فيديو، رسوم بيانية، اختبارات قصيرة) حول مواضيع مثل التغذية السليمة، أهمية التطعيمات، الوقاية من الأمراض المعدية، أو رعاية الأم والطفل. يمكن الوصول لهذه المواد بسهولة عبر الإنترنت أو تطبيقات الهاتف.
•رعاية المسنين والمعاقين: تساعد تقنيات المراقبة عن بُعد الأسر ومقدمي الرعاية على مراقبة صحة كبار السن أو الأشخاص ذوي الإعاقة في منازلهم، مما يقلل من العبء على مقدمي الرعاية ويُحسن من جودة حياتهم. يمكن للممرضين تقديم الاستشارات عن بُعد وتنسيق الرعاية عند الضرورة.
•الاستجابة للأوبئة والكوارث: أظهرت جائحة كوفيد-19 الدور الحيوي للتكنولوجيا الرقمية في تتبع الحالات، تقديم التوجيهات الصحية، ودعم المرضى عن بُعد، مما سمح للممرضين بالحفاظ على التواصل وتقديم الرعاية مع تقليل مخاطر العدوى.
3. الفوائد والتحديات في تطبيق تمريض صحة المجتمع الرقمي
الفوائد:
•تحسين الوصول إلى الرعاية: يقلل من الحواجز الجغرافية والمالية، مما يتيح للأشخاص في المناطق النائية أو ذوي الدخل المحدود الحصول على الرعاية اللازمة.
•زيادة الكفاءة التشغيلية: يقلل من الوقت المستغرق في التنقل والمهام الإدارية، مما يسمح للممرضين بالتركيز على الرعاية المباشرة.
•تعزيز مشاركة المريض: يُمكّن المرضى من إدارة صحتهم بشكل أكثر فعالية من خلال توفير الأدوات والمعلومات اللازمة.
•جمع البيانات وتحليلها: توفر الأدوات الرقمية بيانات قيمة يمكن تحليلها لتحديد الاتجاهات الصحية، وتقييم فعالية التدخلات، والتخطيط للسياسات المستقبلية.
•تقليل التكاليف: يمكن أن يؤدي إلى تقليل تكاليف الرعاية الصحية على المدى الطويل من خلال الوقاية من المضاعفات وتقليل الحاجة إلى زيارات الطوارئ أو المستشفيات.
التحديات:
•الفجوة الرقمية (Digital Divide): لا يمتلك جميع أفراد المجتمع القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا أو استخدامها بفعالية (خاصة كبار السن أو المجتمعات المحرومة اقتصادياً)، مما قد يؤدي إلى تفاقم التفاوتات الصحية.
•الأمن والخصوصية: تتطلب مشاركة البيانات الصحية الحساسة عبر المنصات الرقمية ضمانات قوية لحماية الخصوصية ومنع الاختراقات.
•التدريب والتأهيل: يحتاج ممرضو صحة المجتمع إلى تدريب مكثف على استخدام الأدوات الرقمية الجديدة وتطوير مهارات جديدة في الصحة الرقمية.
•التشريعات والسياسات: يتطلب تطبيق تمريض صحة المجتمع الرقمي تطوير أطر قانونية وتشريعية واضحة لتنظيم الممارسات، والمسؤولية، والتعويضات.
•جودة البيانات: ضمان دقة وموثوقية البيانات التي يتم جمعها عبر الأجهزة الرقمية أمر بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات سريرية صحيحة.
•التفاعل البشري: يجب الحفاظ على التوازن بين استخدام التكنولوجيا وأهمية التفاعل البشري والتعاطف في الرعاية التمريضية.
4. التوجهات المستقبلية
يتجه تمريض صحة المجتمع الرقمي نحو دمج أعمق للتقنيات المتقدمة:
•الرعاية الوقائية المخصصة: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الأفراد وتوقع المخاطر الصحية، ثم تقديم توصيات وقائية مخصصة لكل فرد.
•الواقع الافتراضي والمعزز (VR/AR): استخدام هذه التقنيات في التثقيف الصحي (مثل محاكاة إجراءات الإسعافات الأولية) وفي علاج بعض الحالات النفسية أو إعادة التأهيل.
•العملات المشفرة وسلسلة الكتل (Block chain): لإدارة السجلات الصحية بشكل آمن وغير قابل للتغيير، مما يعزز الثقة والشفافية.
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق
الهدف الثالث من اهداف التنمية المستدامة الصحة الجيدة والرفاه