مقالة بعنون التقويم في كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة العراقية: جسر مفقود بين النظرية والتطبيق للتدريسي م.م الحسن علي خالد تاريخ الخبر: 22/06/2025 | المشاهدات: 96

مشاركة الخبر :

التقويم في كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة العراقية: جسر مفقود بين النظرية والتطبيق
م.م الحسن علي خالد
ان الغرض الأساسي من التقويم هو التحسين والتطوير وبما ان طلبة كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة في العراق يواجهون تحديًا ملموسًا يتمثل في الفجوة الواضحة بين ما يتم تدريسه نظريًا حول أساليب التقويم التربوي الحديثة ومراعاة الفروق الفردية، وبين ما يتم تطبيقه فعليًا في الدروس العملية. فعلى الرغم من أن المناهج النظرية تزخر بالنظريات التي تؤكد على أهمية تقييم الطالب كحالة فردية متكاملة، إلا أن الواقع العملي غالبًا ما يميل نحو التقييم المعياري الموحد الذي قد لا ينصف جميع الطلاب على اختلاف قدراتهم ومستوياتهم.
واقع التقييم: بين مطرقة النظرية وسندان التطبيق
تُظهر الدراسات والتقارير الصادرة عن جهات أكاديمية عراقية، بما في ذلك "مجلس اعتماد كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة"، سعيًا حثيثًا لتطبيق معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي. وتتضمن هذه المعايير، نظريًا، ضرورة تبني أساليب تقييم شاملة ومتنوعة. ومع ذلك، تشير الأبحاث الميدانية إلى أن التطبيق لا يزال قاصرًا.
ففي كثير من الأحيان، يرتكز تقييم الطلاب في الدروس العملية على استمارات ومعايير موحدة تركز بشكل أساسي على الأداء المهاري الفني النهائي. فعلى سبيل المثال، عند تقييم مهارة في كرة السلة أو الجمباز، قد يتم التركيز على دقة الأداء وتطابقه مع النموذج المثالي، مع إغفال متغيرات أخرى هامة مثل مقدار التطور الفردي للطالب، خلفيته الرياضية، بنيته الجسدية، وسرعة تعلمه.
وتؤكد دراسات أجريت في جامعات عراقية مختلفة أن هناك "فجوة" بين الجانب النظري والتطبيقي في المناهج، حيث يتم التركيز على الكم المعرفي النظري على حساب تنمية المهارات العملية والإبداعية. هذا الخلل ينعكس مباشرة على أساليب التقييم التي تميل إلى قياس ما هو قابل للقياس بسهولة (النتائج) بدلاً من تقييم العملية التعليمية بأكملها.
الفروق الفردية: الحاضر الغائب في الدروس العملية
تعد مراعاة الفروق الفردية حجر الزاوية في التربية الحديثة، وهو مبدأ تؤكد عليه جميع الأدبيات التربوية في كليات التربية البدنية. فمن البديهي أن يختلف الطلاب في قدراتهم البدنية، وسرعة استجابتهم الحركية، ومستوياتهم في القوة والتحمل والمرونة، بالإضافة إلى الفروق في الجوانب النفسية كالثقة بالنفس والدافعية.
ولكن، تواجه عملية مراعاة هذه الفروق في الدروس العملية تحديات جمة، من أبرزها:
• الأعداد الكبيرة للطلاب: غالبًا ما يتجاوز عدد الطلاب في الشعبة الواحدة القدرة الاستيعابية للأستاذ، مما يجعل من الصعب عليه متابعة كل طالب على حدة وتقديم التغذية الراجعة المناسبة.
• نقص الإمكانيات والمرافق: قد لا تتوفر الأجهزة والأدوات الكافية التي تسمح بتنويع الأنشطة لتناسب جميع المستويات.
• هيمنة أساليب التدريس التقليدية: لا يزال بعض الأساتذة يعتمدون على الأسلوب التدريسي الموحد الذي يقدم نفس النشاط والتحدي لجميع الطلاب.
كيفية مراعاة الفروق الفردية في الدروس العملية: توصيات تطبيقية
لردم الهوة بين النظرية والتطبيق، وتحقيق تقييم أكثر عدالة وشمولية، يمكن لأساتذة كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة في العراق تبني الاستراتيجيات التالية:
1. تنويع أساليب التقييم:
• التقييم المستمر (التكويني): بدلاً من الاعتماد الكلي على الاختبار النهائي، يجب التركيز على تقييم أداء الطالب بشكل مستمر خلال الفصل الدراسي من خلال الملاحظة المنظمة، وقوائم الرصد (Checklists)، وسلالم التقدير التي تقيس مدى تطور الطالب.
• ملف الإنجاز (Portfolio): يمكن تكليف كل طالب بإنشاء ملف إنجاز يوثق فيه تطوره بالصور والفيديو والتقارير الذاتية. هذا الأسلوب يسمح بتقييم الجهد المبذول والتقدم المحرز بغض النظر عن المقارنة مع الآخرين.
• تقييم الأقران والتقييم الذاتي: تشجيع الطلاب على تقييم أداء زملائهم وتقييم أدائهم شخصيًا يعزز من قدرتهم على التحليل والنقد البناء وفهم نقاط القوة والضعف لديهم.
2. تكييف المحتوى والأنشطة:
• التدريس المتمايز: تصميم الدرس بحيث يتضمن أنشطة ومحطات تعليمية بمستويات صعوبة متفاوتة. يمكن للطلاب اختيار المحطة التي تناسب مستواهم الحالي والتقدم تدريجيًا. على سبيل المثال، في درس للجمباز، يمكن توفير محطة للمبتدئين للتدريب على مهارات أساسية، ومحطة للمتقدمين لتنفيذ حركات أكثر تعقيدًا.
• استخدام أسلوب المراكز التعليمية: تقسيم مساحة الدرس إلى "مراكز"، يركز كل مركز على مهارة أو عنصر لياقة بدنية معين. يتنقل الطلاب بين هذه المراكز مما يتيح لهم العمل وفقًا لسرعتهم وقدراتهم.
• التعلم التعاوني: تقسيم الطلاب إلى مجموعات غير متجانسة من حيث المستوى، بحيث يساعد الطلاب المتميزون زملائهم الأقل مستوى، مما يعزز التعلم لدى الطرفين.
3. تحديد أهداف فردية: في بداية كل فصل دراسي، يمكن للأستاذ بالتعاون مع كل طالب، تحديد أهداف واقعية وقابلة للقياس خاصة به. يتم تقييم الطالب بناءً على مدى تحقيقه لهذه الأهداف الشخصية، مما يجعل عملية التقييم أكثر فردية وتحفيزًا.
إن الانتقال من التقييم المعياري إلى تقييم يراعي الفروق الفردية ليس مجرد تغيير في الأدوات، بل هو تحول في الفلسفة التربوية. يتطلب هذا التحول وعيًا من القائمين على العملية التعليمية، وتطويرًا مهنيًا مستمرًا للأساتذة، وتوفير الدعم اللازم من حيث الإمكانيات والموارد. ومن خلال تبني هذه الممارسات، يمكن لكليات التربية البدنية في العراق أن تضمن تخريج معلمين ومدربين قادرين ليس فقط على تطبيق المهارات الرياضية، بل على فهم وتقدير وتنمية القدرات الفريدة لكل فرد في المجتمع.



Al-Mustaqbal University