دور الاقتصاد الدائري في الحد من الفقر وتحقيق أنماط إنتاج مستدامة في الاقتصادات النامية تاريخ الخبر: 11/06/2025 | المشاهدات: 622

مشاركة الخبر :

أ.د حيدر علي الدليميّ
كلية العلوم الإدارية – جامعة المستقبل
في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية التي تواجهها الاقتصادات النامية، تبرز الحاجة إلى نماذج تنموية جديدة تتجاوز الأنماط التقليدية للإنتاج والاستهلاك. ومن بين هذه النماذج، يبرز الاقتصاد الدائري بوصفه مقاربة واعدة لتحقيق التنمية المستدامة، إذ يركز على إعادة استخدام الموارد، وتقليل الفاقد، وتحفيز الابتكار الاجتماعي والاقتصادي. ويُمكن أن يكون لهذا النموذج دور فعّال في الحد من الفقر، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وخلق أنماط إنتاج أكثر استدامة.
أولاً: مفهوم الاقتصاد الدائري
الاقتصاد الدائري هو نظام اقتصادي يهدف إلى تقليل الهدر وتعظيم استخدام الموارد، من خلال إعادة التدوير، والإصلاح، وإعادة الاستخدام، بدلاً من نموذج الاقتصاد الخطي التقليدي القائم على (الاستخراج – الإنتاج – التخلص). ويعتمد هذا النموذج على مبدأ أن (النفايات يمكن أن تتحول إلى موارد)، ما يفتح آفاقًا اقتصادية وبيئية جديدة.
ثانيًا: خلق فرص عمل وتعزيز الشمول الاقتصادي
من أبرز مزايا الاقتصاد الدائري في الاقتصادات النامية أنه قادر على خلق فرص عمل متنوعة، خصوصًا في القطاعات التي تعاني من ضعف الاستثمارات. فأنشطة مثل إعادة التدوير، وصيانة الأجهزة، وتصميم منتجات قابلة لإعادة الاستخدام، تتيح فرصًا كبيرة لرواد الأعمال والعاملين في القطاع غير الرسمي، ما يعزز الشمول الاقتصادي ويقلل من نسب البطالة والفقر.
فعلى سبيل المثال، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن قطاع إعادة التدوير في بعض الدول الإفريقية يوفر دخلًا لآلاف العائلات، ويُعد مصدرًا رئيسيًا للعيش، خاصة في المجتمعات الحضرية منخفضة الدخل.
ثالثًا: تقليل الهدر وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد
تعاني الاقتصادات النامية من نقص الموارد وارتفاع التكاليف البيئية الناجمة عن الهدر وضعف البنية التحتية لإدارة النفايات. ومن خلال تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري، يمكن تقليل الفاقد في المواد الخام والطاقة، وتحسين كفاءة سلاسل الإمداد. وهذا بدوره يؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج، وتحسين القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، وتحقيق استدامة أكبر على المدى البعيد.
رابعًا: تمكين المجتمعات وتعزيز التنمية البيئية والاجتماعية
لا يقتصر أثر الاقتصاد الدائري على الجوانب الاقتصادية، بل يمتد إلى التمكين الاجتماعي، من خلال إشراك المجتمعات المحلية في عمليات الجمع، والتصنيع الصغير، والخدمات البيئية. كما يساهم في تحسين الصحة العامة من خلال تقليل التلوث، وتوفير بيئة نظيفة وآمنة. وهذا ينعكس إيجابيًا على جودة الحياة، ويدعم أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، خصوصًا الهدف الأول (القضاء على الفقر) والهدف الثاني عشر (ضمان أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة).
خامسًا: التحديات والفرص أمام الاقتصادات النامية
رغم الإمكانيات الكبيرة للاقتصاد الدائري، إلا أن تطبيقه في الدول النامية يواجه جملة من التحديات، منها ضعف البنية التحتية، وقلة الوعي المجتمعي، وغياب الأطر القانونية والتنظيمية الداعمة. ومع ذلك، فإن هذه التحديات يمكن تحويلها إلى فرص للتطوير من خلال:
• دعم المبادرات المحلية والمشاريع الصغيرة في مجال إعادة الاستخدام.
• تطوير سياسات حكومية مشجعة للممارسات الدائرية.
• بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم الابتكار والتقنيات المستدامة.
• دمج مبادئ الاقتصاد الدائري في المناهج التعليمية وبرامج التوعية المجتمعية.
إن تبني نموذج الاقتصاد الدائري في الاقتصادات النامية لا يُعد فقط خيارًا بيئيًا مستدامًا، بل هو مسار عملي للحد من الفقر، وتعزيز الإنتاجية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن خلال دعم السياسات المبتكرة والمبادرات المجتمعية، يمكن للدول النامية أن تحقق نقلة نوعية نحو اقتصاد أكثر شمولاً واستدامة، يُوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة وكرامة الإنسان.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية.