مقالة بعنوان حقوق الإنسان: ماضياً، حاضراً، ومستقبلاً تاريخ الخبر: 28/04/2025 | المشاهدات: 562

مشاركة الخبر :

تُعدّ حقوق الإنسان من المبادئ الراسخة وهي حجر الزاوية في بناء المجتمعات العادلة والمستقرة، وثمرة تطور تاريخي طويل جسّد تطلعات الإنسان نحو الكرامة والعدالة والمساواة. وقد شهدت هذه الحقوق تطوراً تاريخياً ملحوظاً.
في الماضي، ظهرت بذور حقوق الإنسان في الرسالات السماوية، شكّلت النصوص الدينية والفلسفية منطلقاً لمفاهيم الكرامة والحرية،
لا سيما في الإسلام الحنيف الذي وضع أسساً متقدمة للكرامة الإنسانية حيث أقرّ الإسلام، على سبيل المثال، مبادئ رائدة في هذا المجال، تجلى في القرآن الكريم، والسنة النبوية وسيرة الائمة المعصومين عليهم السلام، فقد كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، صوت العدالة الإنسانية وقد أكد في خطبه ورسائله على الكرامة الإنسانية، وقال في عهده لمالك الأشتر": الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق". وقد أرسى بذلك قواعد الحكم العادل، ومنع التمييز بين الناس، وكان يحث على إنصاف المظلوم. وتمثلت ايضا في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام)، التي سبقت كثيراً من المواثيق الغربية. والمفاهيم الفلسفية والدينية القديمة، مروراً بالتشريعات الوضعية، وصولاً إلى المواثيق الدولية الحديثة.
أما في الغرب، فقد تمثلت البدايات في وثيقة "الماجنا كارتا" عام 1215، وتطورت لاحقاً مع الثورة الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789. فقد أسهمت هذه الوثائق، في ترسيخ مبادئ الحرية الفردية.
وفي الحاضر، أصبحت حقوق الإنسان نظاماً قانونياً متكاملاً، تتبناه الدول واكتسبت حقوق الإنسان طابعاً مؤسساتياً وتشريعياً، تكرّست في دساتير الدول، والاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهدان الدوليان لعام 1966. وقد أُنشأت مؤسسات وطنية ودولية لحمايتها، كالمفوضية السامية لحقوق الإنسان والمحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان، فضلاً عن المفوضيات المحلية كالمفوضية العراقية لحقوق الإنسان. غير أن الواقع لا يخلو من التحديات والانتهاكات بسبب النزاعات، وتغيّر الأنظمة السياسية، وتفاقم أزمات الهوية والتمييز.
أما مستقبل حقوق الإنسان، فيرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطور التكنولوجي والتحولات الاجتماعية والبيئية. فحقوق جديدة بدأت تفرض نفسها، فالمستقبل مرهون بقدرتنا على مواكبة التحديات الجديدة، لا سيما في ظل التطور التكنولوجي، وتغير المناخ، والتحول الرقمي، ونشوء الذكاء الاصطناعي. فقد بدأت تظهر حقوق حديثة كـ "الحق في الخصوصية الرقمية"، و"الحق في بيئة سليمة"، و"العدالة الخوارزمية"، ما يستوجب توسيع مفهوم حقوق الإنسان ليشمل هذه المستجدات.
أن تعزيز ثقافة حقوق الإنسان في المناهج التعليمية، واعتماد الحوكمة الرشيدة، سيشكلان ركيزة لضمان تلك الحقوق للأجيال القادمة. ويتحتم على الأنظمة القانونية أن تتكيف مع هذه المستجدات دون التفريط بالثوابت، بما يضمن استمرارية هذه الحقوق وتوسيع نطاقها عالمياً.
كما وتُعد أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 (SDGs) الإطار الأبرز الذي يربط بين حقوق الإنسان والمستقبل، حيث تنص هذه الأهداف على ضرورة القضاء على الفقر (الهدف 1)، وتحقيق المساواة بين الجنسين (الهدف 5)، وضمان التعليم الجيد (الهدف 4)، والعمل اللائق (الهدف 8)، والعدالة والمؤسسات القوية (الهدف 16). إن إعمال هذه الأهداف ليس مجرد سياسة تنموية، بل هو تجسيد حي لحقوق الإنسان في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ختاماً، فإن حقوق الإنسان ليست مفهوماً جامداً، بل منظومة ديناميكية تتفاعل مع حاجات الإنسان المتجددة. ومن واجبنا، كمشرعين وأكاديميين ومواطنين، أن نكون حماة لهذه الحقوق في ماضيها التليد، وحاضرها المعقد، ومستقبلها الواعد. وإن حماية حقوق الإنسان لا تقتصر على مواجهة انتهاكات الماضي أو تحسين أوضاع الحاضر، بل تتطلب رؤية استشرافية شاملة. علينا أن نرسّخ ثقافة حقوق الإنسان في مؤسسات التعليم، ونُحدّث التشريعات الوطنية بما ينسجم مع المتغيرات العالمية، وأن نُشرك الأفراد والمجتمع المدني في صنع القرار، لنضمن مستقبلاً أكثر عدلاً وإنسانية واستدامة.


م. د. علي جاسم محمد السعدي
جامعة المستقبل_ كلية القانون
مسؤول شعبة حقوق الانسان

جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق