في مقالة سابقة تحدثتنا عن حاسة السمع، و قالنا: أن أول الحواس التي تبدء العمل عند الجنين هي حاسة السمع، و أن الطفل يسمع و يتفاعل و يدرك الأصوات و هو لايزال في رحم أمه قبل أن يولد إلى الحياة، وفي ذلك سر، وهو التعلم ،لأن الوسيلة الوحيدة الكفوءة للتعلم عند الطفل الوليد و عند كل الناس هي حاسة السمع، لذلك فإن الطفل يتعلم الكلام قبل القراءة و الكتابة و ذلك عن طريق السمع، فيتعرف على الاصوات الخارجية، و اهمها الاصوات التي تبعث على الراحة و الاطمئنان ، منها صوت الموسيقى الهادئة، و قراءة القرآن الكريم، لذا حثّ أئمة الهُدى، عليهم السلام، على مداومة الأم لقراءة القرآن، او الاستماع اليه خلال فترة الحمل. وعند تقدم العلم الحديث، تمكن العلماء من تسجيل اشارات عصبية وسمعية في الأذن الداخلية، والعصب السمعي والمنطقة السمعية، في مخ الجنين. كما و الكل يعرف، أن الطفل الذي يولد فاقدا لحاسة السمع، سيكون ابكما (اخرسا) بالضرورة لأنه فقد حاسة تعلم النطق و هي حاسة السمع ...
لقد أودع الله في حاسة السمع أسرارا كثيرة، لذلك قدمها على غيرها من الحواس، و أكثر الأشياء إعجاز فيها هو، أن حاسة السمع هي آخر حاسة يفقدها الإنسان بعد موته... و هنا تكمن عظمة الإسلام ، إذ يقوم المسلمون بتلقين الميت الشهادة، لانه يسمعها و يرددها حتى بعد موته، كذلك يصلون عليه و هو ميت، لأنه يسمع صلاتهم، و يلقن و هو على حافة القبر؛ وقبل نزوله القبر و دفنه، لأنه لايزال يسمع... و عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن العويل و البكاء قرب الميت، لأن ذلك يؤذيه، مما يدل على أنه لايزال يسمع، إلا أنه عاجز عن الفعل ...
وقد أثبت العلم أن الإنسان يستمر بالسمع حتى بعد مفارقة الروح للجسد، و أن حاسة السمع تبقى تعمل حتى بعد مرور 6 ساعات على مفارقة الروح الجسد...و ثبت ان الانسان الميت تموت كل حواسه، عدا حاسة السمع، فهي تبقى تسمع من 6 ساعات الى 12 ساعه بعد الموت؛ من خلال ما يسمى cochlear microphone (المكروفونات المجهرية لقوقعة الاذن)، لذلك، فإن المتوفي يسمع خفق ارجل اهله وهم يغادرون بعد دفنه ؛ ويسمع كلام الملقن وهو ينزله في قبره، فسبحان الخالق الا تتفكرون.
كما أثبت العلم الحديث، بقاء السمع عند موت الانسان، كما يبقى عند تخدير المريض لبضع ساعات، وهذا ما يثبت الحكمة من تلقين الميت أكثر من مرة وتذكيره بالله -تعالى- وهو في ملحودة قبره.
ومن المهم ان نعرف أن الاصوات تصل الأذن الداخلية (التي تضم حاسة السمع ؛ وهي جسيمات أو عضيات "كورتي Corti's organs)
و ذلك عن طريقين:
الاول: طريق الاذن الخارجية ثم الوسطى المملوءتين بالهواء في الانسان الطبيعي.
الثاني: طريق عظام الجمجمة، فالاهتزازات الصوتية تنتقل بالطريق الاولى بواسطة الهواء، وتنتقل بالطريق الثانية بواسطة عظام الجمجمة، وهي ناقلة جيدة للأصوات.
وهذا ما اشاره اليه الامام علي، عليه السلام، حين قال: «أعجب لهذا الانسان ينظر بشحم، ويتكلم بلحم، ويسمع بعظم، ويتنفس من خرم».
وفي هذا العصر، حيث توصل فيه العلم الى كنه الاسلام المحمدي، وعظمة وجوده، يتعزز الاعتقاد أكثر بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وما بقي علينا ألا ان نتفكر في آلاء الرحمن الذي خلق الانسان، وعلمهُ البيان، وجعل الدنيا له محل ابتلاء: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}،(سورة الانسان/2). فالابتلاء هنا؛ إما الشكر وإما الكفر. نسأل الله ان يجعلنا من الشاكرين الذاكرين لآلاءه، فهو حسبنا و نعم الوكيل، و هو مصدر كل نعمة و مجيب لكل دعوة...
بقلم الدكتور نعمة حسوني مهدي الجبوري.